المشكلة حين تتبنى مشكلة من لا يريد التخلص من مشكلته.. هكذا كان شعوري وأنا أقرأ رسالة وصلتني من أكاديمية سعودية ظننتها تهتم بمتاعب الفتاة السعودية أكثر مني. رسالة طويلة مليئة بما عفا عليه الدهر من مفردات، احتشدت فيها عبارات العتب واللوم، وانتهت باسطوانة الاتهام بالتغريب وإخراج الفتاة السعودية من خدرها الحصين والسعي إلى سلخها من القيم والأخلاق.. والمشكلة الأكبر أن صاحبة الرسالة، التي أحترمها كثيرا، خريجة جامعة غربية، كانت تقود سيارتها هناك، وتدير كل شؤون أسرتها بنفسها، وتذهب بأطفالها كل صباح إلى المدرسة ثم تعود لتأخذ زوجها إلى مقر عمله لتذهب بعد ذلك إلى جامعتها، ثم تأتي مساء لتأخذ زوجها إلى المنزل بعد إنهاء كل ما له علاقة باحتياجات البيت والأسرة.. كانت تعيش حياة جميلة تراهن على أنها الحياة الطبيعية، وكانت مشغولة بهاجس العودة إلى الوطن لأنها لن تستطيع تقبيل أطفالها كل صباح قبل أن يدلفوا بوابة المدرسة، ولأنها لن تشغل زوجها بطلب المرور على مركز التسوق لجلب أغراض البيت، ولأنها لو احتاجت الذهاب بأحد أطفالها إلى المستشفى لن تنتظره ليصل بعد فوات الأوان، أو تقف على الرصيف بانتظار سائق أهوج يدمر ما تبقى من احتمال في أعصابها.. بعد سنوات قليلة من عودتها إلى الوطن، انقلب الحال رأسا على عقب. كانت تتبنى قضايا مهمة تخص المرأة، لكنها انقلبت على كل ما كانت تتبناه، بل انقلبت على نفسها ودمرت حياتها بعد أن التحقت بكادر التعليم كأستاذة في تخصص مهم. حجرت على نفسها وأطفالها من كل ما له علاقة بالحياة الطبيعية السوية التي كانت تمارسها لأن: «الشيخ قال».. أراد زوجها أن يقضي إجازة قصيرة مع أطفاله في المدينة التي عاشوا فيها ردحا طويلا من الزمن، لكنها رفضت وأصرت على عدم ذهابهم إلى «بلاد الفسوق».. تمادت في تحويل حياة زوجها وأطفالها إلى جحيم لينتهي الأمر بالطلاق وخراب بيت كان جميلا، وشتات أطفال بدأوا يفهمون الحياة.. أنا لا أبيح أسرارا، لكنني أسرد مثالا على غسل العقول الذي يصل إلى تدمير الحياة. تقول الأخت العزيزة بعد قراءتها لمقالي عن إمكانية عمل الفتاة السعودية في الخطوط الجوية أنني سهم يخترق عفاف فتياتنا وعميل تغريبي يريد تهشيم خصوصياتهن.. شكرا أيتها الأخت العزيزة.