ما جرى على خلفية اعتقال المحامي المصري في المملكة العربية السعودية من تراشق بالكلمات بين قطاع من السعوديين والمصريين مؤسف إلى حد كبير، وهو يعكس تجذر العنصرية في دماء قطاع من الناس في ديارنا رغم الانتشار الواسع للصحوة الإسلامية التي ينبغي أن تعلي من قيم المحبة والإخاء بعيدا عن التصنيف العنصري. وقد أعجبني ذلك الشيخ السعودي في إحدى الفضائيات عندما رد بعنف على متصل طالب بإيجاد حل لمشكلة بعض المصلين في المملكة ممن تفوح من أقدامهم وأجسادهم روائح كريهة، مقترحا أن يصار إلى إنشاء مساجد خاصة بهم، في إشارة غير مباشرة للوافدين المسلمين الذين يعملون في المملكة، كما سعدنا بردود عدد الإخوة في المملكة على الكلام العنصري في خطاب بعض الناس، ومنهم مشايخ مع الأسف ممن دأبوا على التذكير بأصول البعض كما وقع بالنسبة للشاب الذي أساء للنبي عليه الصلاة والسلام في «تويتر»، أعني حمزة كشغري. طبعا لم تخل وسائل الإعلام المصرية من حملات ردح بالغة السوء بحق السعوديين، لكأنهم قطعان من الجهلة قام الوافدون بتعليمهم أبجديات الحضارة، ومن ضمنهم المصريون بالطبع، الأمر الذي رد عليه مصريون عقلاء بكثير من الحكمة والمنطق. في زمن الربيع العربي الذي ينبغي أن يعلي من قيمة الإنسان في مواجهة الظلم والفساد يشعر المرء بالغصة حين يتابع بعض تجليات ذلك الخطاب العنصري الذي تزدحم به فضاءات الإنترنت، ويشعر أن بيننا وبين الرقي النفسي والحضاري الذي ينبذ العنصرية مسافة كبيرة ينبغي أن نقطعها. ربما كانت العنصرية جزءا لا يتجزأ من تكوين الإنسان، الأمر الذي يتوافر في أهم الديمقراطيات الغربية رغم الحرب عليها من خلال القوانين، وما جرى في فرنسا مؤخرا بحصول اليمينية (لوبن) على ما يقرب من خمس الأصوات في انتخابات الرئاسة دليل على ذلك، فضلا عن صعود اليمين في معظم الساحة الأوروبية. والحال أن فضاءات الإنترنت لا تزال تشكل ركيزة أساسية من ركائز الضخ العنصري في الساحة العربية، والسبب أن أخلاقيات التعليق لا تزال مفقودة مع الأسف، إذ بوسع أي أحد أن يكتب ما يشاء بأي اسم يشاء في حق من يشاء من دون ضوابط تذكر، وهذا من دون شك يساهم بقوة في تصعيد المشاعر العنصرية، لأن الفتنة تنام ولا تموت، وحين يوقظها البعض ستكون جاهزة للنفير. لم يختر أي منا جنسيته، وربما دينه ومذهبه أيضا (باستثناءات محدودة)، ما يعني أن معايرته بما لم يختر أمر لا يمكن تصنيفه خارج سياق العنصرية التي يرفضها ديننا الذي لم ير فضلا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وقرر أن الله قد خلق الناس شعوبا وقبائل كي يتعارفوا لا كي يتقاتلوا، وقرر أن البر هو الأصل فيمن لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم. المشكلة أن الدولة القطرية الحديثة قد أسهمت مساهمة فاعلة في تصعيد المشاعر العنصرية، ودائما في خدمة أجندات سياسية لا صلة لها بالانحياز الفطري لذوي القربى، بينما يتورط الناس في هذه اللعبة دون وعي، من دون أن نعدم دورا للتفاوت في الإمكانات المالية التي جعلت كل طرف يتشبث بمكاسبه بعيدا عن الآخرين، لأن الشراكة معهم قد تؤدي إلى الأخذ من تلك المكاسب. عقلاء الأمة وعلماؤها العاملون ومفكروها هم الذين ينبغي أن يتصدوا لهذه الظاهرة العنصرية بكل ما أوتوا من قوة، وينبهوا الناس إلى ضرورة عدم الانجرار وراء الأجندات السياسية غير البريئة، تلك التي لا يعنيها غير سيطرة نخب معينة على السلطة والثروة في بلادها، وهي نخب لا تمارس الظلم بحق ذوي القربى فقط، وإنما تمارسه في حق الأهل في الداخل قبل ذلك. وحين نتأمل في الأجندات السياسية التي وقفت وراء نظرية (القطر أولا) التي شاعت في القاموس العربي، فلن نعثر على خير يذكر، لا للقطر ذاته ولا للمحيط العربي. الخير للأمة هو خير للجميع، وليس صحيحا أن التعاون والتكامل سيفضي إلى ضرر للآخرين، وقد رأينا في أوروبا اتحادا بين دول متفاوتة الإمكانات، فضلا عن تفاوتها من ناحية التاريخ والأديان والأعراق. الهوية الإسلامية هوية جامعة، ولو تمثلناها حق التمثل لتخلصنا من كثير من أمراضنا العنصرية، لكن ذلك لا ينبغي أن يدفع المخلصين لليأس، إذ ثبت في كثير من المحطات أن في الأمة كما هائلا من الخير والتكافل لا تقلل من شأنه أصوات مريضة ترتفع بين حين وآخر هنا وهناك، وفي الربيع العربي رأينا الأمة تتابع ثوراتها كما لو كانت جسدا واحدا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.