نشرت «الحياة» رداً من عضو مجلس الشورى الموقر الدكتور عبدالله المبيريك حول مقالتي «مجلس التوصيات»، وكنت قد تعجبت فيها من عدم إقرار مجلس الشورى توصية تمنع بيع الدخان لمن هم دون سن ال18. أوضح رد عضو مجلس الشورى مشكوراً الأسباب التي دعت المجلس لعدم رفع التوصية، ومع شكري الجزيل على حرصه واحترامه مبدأ الحوار المفتوح والشفافية مع الإعلام، إلا أن الرد لم يطفئ العجب الذي أحاط بتعثر التوصية. تضمن الرد - الذي سأعتبر الدكتور ينقل ما كان شاهداً عليه في المجلس وليس بالضرورة وجهة نظره الشخصية - في ما عرفته عن الدكتور أنه طبيب للأمراض الصدرية، أي أكثر العارفين بمخاطر انتشار ظاهرة التدخين في المجتمع، كما أن الدكتور المبيريك نشر مقالات عدة يحذّر فيها من مخاطر التدخين لعل أهمها تلك المقالة التي نشرتها صحيفة "الرياض" بعنوان «نحتاج قانون ساهر للتدخين»، والتي أورد فيها كثيراً من الأرقام الفاجعة من عدد ضحايا التدخين والخسائر التي تتسبب بها هذه الظاهرة، كما يتحسر فيها بأنه في الوقت الذي تتناقص فيه نسبة المدخنين في العالم الغربي فإنها تتزايد في بلادنا. لكن على رغم هذه القناعة فإن عضو مجلس الشورى يعتبر أن الإجراءات النظامية هي التي منعت التوصية من الظهور، إذ يورد ثلاث حيثيات عجيبة، الأولى تقول "إن المجلس رفع من قبل توصية منع بيع الدخان لمن هم دون سن 18 في نظام متكامل حول مكافحة التدخين، وتنتظر موافقة مجلس الوزراء عليه"، ما يجعلنا نسأل: طالما أنها وافقت عليه في نظام، فكيف تعترض عليه في نظام آخر وتُوقع نفسها في تناقض؟"... الاعتراض الثاني في رده يقول: "إن أحد أعضاء مجلس الشورى يقول إنه لا يوجد أصلاً نظام عقوبات لمكافحة التدخين، فكيف تدرج فيه هذه التوصية؟ وبالتالي فالسؤال هو لو كان هناك نظام عقوبات لمكافحة التدخين وبيع الدخان للصغار أصلاً، هل كانت هناك حاجة لطرحها في مجلس الشورى، إلا إن كان المجلس يفتش عن عذر كي لا يوصي. أما الاعتراض الثالث فكان أعجب الاعتراضات، ولأنه كذلك فإنه حتى الدكتور المبيريك يقول إنه لا يتفق معه، لكنه على رغم ذلك أورد ضمن الحيثيات التي تمنع التوصية هذا الاعتراض فيقول: "إن توصية منع بيع الدخان لمن هم دون سن ال18 تعني السماح لمن هم فوق ال18 بالتدخين!". أنا شخصياً لا أشره على صاحب هذا الاعتراض، بل أشره على الدكتور المبيريك الذي لم يُطلع زميله على مقالته التي أورد فيها: «إنّ المملكة العربية السعودية أصبحت رابع دولة عالمياً من ناحية استيراد التبغ، وقد بلغ عدد المدخنين في المملكة ستة ملايين»، ومع هذا ما زال هذا العضو يظن أن ستة ملايين ينتظرون توصيته حتى يدخنوا، أو أنه ظن أن عدم رضاه عن المدخنين فوق سن ال18 كفيل بأن يعاقب عليه من هم دون ال18. المحصلة النهائية تقول إن الأهالي الأميين منهم والمتعلمين ومنظمات الصحة العالمية والمحلية لا يعجبهم كل تحفظات المجلس على التوصية مهما أورد من تبريرات، ولن يفهم أي من هؤلاء إلا أن المجلس يتسبب في ترك فضاء المراهقين والأطفال من دون نظام يحميهم من إمكان الوقوع في هذه العادة السيئة، بل وقد يضطر الآباء إلى معالجة الأمر على طريقتهم كما فعل قريب لي عندما عرف أن البائع الهندي باع طفله علبة الدخان التي وجدها في جيبه، فذهب بنفسه وضربه، وهذه هي ضريبة غياب الأنظمة والقوانين. الدكتور المبيريك وأنا وكل الأهالي يعرفون جيداً أهمية أن توجد عقوبة لمن يبيع أولادهم دخاناً وهم دون سن ال18، لكن الدكتور يحاول أن يشرح لنا أن هناك آلية ما في مجلس الشورى تمنعه من أن يوصي بتوصية هي من البديهيات في حياة الناس، وهذه بالضبط مشكلتنا مع مجلس الشورى.