وصفت صحيفة «الحياة» امتناع مجلس الشورى عن التوصية بحظر «بيع الدخان لمن هم دون سن 18» بأنه صدمة، وأنا أقول لها: (يا ما لك من الصدمات)! فالمجلس ما انفك يصدم الناس يوماً بعد يوم، في عدم التوصية بإسكانهم ومعاشات ضمانهم وتقاعدهم وتحسين أوضاعهم ورواتبهم وتنظيم حقوقهم. المؤسسات الاجتماعية والتربوية والصحية والأهالي لا يفهمون تبرير أعضاء مجلس الشورى عدم الخروج بتوصية تمنع بائعي الدخان من بيعه لصغار السن، فالمجلس الذي اجتمع، ولا أدري كم مرة اجتمع، وكم طاقة كهرباء صرف، وكم قارورة ماء شرب، وكم لتر بنزين أحرق، وكم عمل سكرتاري اقتضته جلسته... وفي الأخير لم يستطع المجلس أن يُقِرّ توصية «حظر التدخين» لمن هم دون ال18. لن يفهم أحد القرار هذا، حتى ولو خرج علينا من يهندس الكلام ويرتبه ويقول: «صحيح إن التوصية مهمة، ولكن لا نستطيع أن نوصي بها، لأنه لا يوجد نظام عقوبات في الأصل، وطموحنا حماية البيئة كلها وليس فقط صغار السن». يا سلام. أنا شخصياً لا أفهم، فكل مسؤول نشتكي إليه فوضى غياب القوانين والضوابط يرد علينا بأنه ليس سلطةً تشريعية، بل تنفيذية. نحن نعرف أن الجهة التشريعية هي البرلمان أو من يقوم مقامه، لكن أعضاء مجلس الشورى صدمونا ليس بالامتناع عن التوصية ب «منع بيع الدخان» فحسب، بل بأنهم زادوا فقالوا: نحن جهة (توصوية)، أي لا يملكون إلا أن يوصوا... كل الخسائر التي يتكلفها المجلس، بسبب تفريغ 150 عضواً من النخب المثقفة التي تسمى «تكنوقراط»، وبكلفة باهظة في المصروفات على الاجتماعات حول العالم بالبرلمانيين، من أجل تبادل الخبرات... وفي الأخير يقول إنه لا يستطيع حتى أن يوصي بحظر بيع الدخان للصغار. يخاف أن تقع توصية من دون وجود نظام أصلاً، فتصبح وصيته بلا معنى، لكنه لا يخاف أن يصدم الناس بامتناعه عن التوصية في مثل قرار كهذا. ولا يعرف، رغم تنوع تخصصات أعضائه وكثرتهم، أيَّ طريق آخر ينفذ بواسطته كي يسن قانوناً يحظر بيع السجائر لصغار السن، فطريقه مسدود مسدود مسدود. أنا شخصياً، لو كنت مكان مجلس الشورى لأوصيت بتحسين معاش الناس وتأمين إسكانهم ورفع بدلات معاشهم وشق طرقات جديدة لهم وحفظ أمانهم ومنع التحرشات بهم وبيع الدخان لصغارهم... وطالما أنها في مجملها توصيات، وطالما أنهم جهة «توصوية»، فلماذا يمتنعون عن التوصيات، وهو ما يكلفهم غضب الناس الذي لا ينفك يلاحقهم ويلومهم؟! على الأقل أقول للناس عندها إنني قمت بواجبي وأوصيت، لكن يبدو أن هناك 150 عضواً في مجلس الشورى يجتهدون بألاّ يجتهدوا. حين لم يجتهد مجلس الشورى في شيء، تدخلت إمارة الرياض للقيام بما عجز المجلس عن الإيصاء به، وأعلنت حزمة عقوبات للمتحرشين بالنساء في الأسواق، من دون وصفها لا بالتشريعية ولا بالتنفيدية ولا بالتوصوية. المجلس الذي لم يوصِ بقانون التحرش الجنسي، بل ضمه إلى ملف آخر عويص يحتاج إلى قرن من الزمان كي يجد طريقه نحو الحل، هو ملف العنف ضد النساء، وجعل الإمارة تقوم بما يتأخر هو عنه ويتحرجه، لأن التوصية صعبة عليه. طيب ليه يا مجلس «بتجلس» وأنت مجلس بلا توصيات؟ [email protected]