مضى عام وبضعة أشهر على “الربيع العربي” الذي اختطف معه كل الزخم والاستقطاب الإعلامي والسياسي، ذلك الحدث الذي استطاع أن يبعد كل الأحداث الأخرى بما فيها تنظيم القاعدة، الذي لا يستطيع أن يغيب فترة طويلة عن الساحة من خلال نشاطه الإرهابي، والذي يشتمل على قوة إعلامية، ومنذ أحداث “الربيع العربي” وبعض المحللين أغرق بالتفاؤل، من خلال الحدث الكبير الذي يعيشه بأن زمن “القاعدة” قد ولى مع الأنظمة الاستبدادية! إلا أن بعض المراقبين كان لهم رأي مختلف، لا سيما عندما تطول فترة الفراغ السياسي كما في الحالة اليمنية والمصرية والليبية والسورية، والتي تقول المؤشرات انها بيئة قد تكون خضراء بحسب تصنيف الزميل جمال خاشقجي، أي أنها بيئة ملائمة لنمو تنظيم القاعدة. خلال الأسابيع الماضية اختطف نائب القنصل السعودي في عدن، وبعدها أعلنت “القاعدة” مسؤوليتها عن الحادث، وهو تطور خطير ولافت للتنظيم في الجزيرة العربية، فمنذ أن نشأ التنظيم كان يقول إن الهدف من عملياته، هم المشركون في جزيرة العرب، وأنه لا يستهدف المسلمين في عملياته، إلى أن جاءت تفجيرات المحيا ليقول التنظيم إن الهدف من العملية الأميركان وليس العرب والمسلمين! بعد ذلك حصل تفجير مبنى الأمن العام، ليحدث أول انشقاق في التنظيم آنذاك، بسبب استهداف المسلمين بأعيانهم من دون أية جريرة، وبرر جناح عبد العزيز المقرن حينها، أنهم عسكر وأن العسكريين باتوا مستهدفين عند التنظيم! تلا ذلك تطور خطير حين استهدفت “القاعدة” من خلال عملية قذرة الأمير محمد بن نايف، في محاولة اغتيال فاشلة، أبانت مدى الانحطاط الفكري الذي تنقاد إليه “القاعدة”! واليوم نرى أن التنظيم اتجه إلى أبناء البلد العاملين على خدمة المواطن من غير العسكريين، في توجه إلى نقطة التكفير الكبرى، التي ترى أن أي مواطن كافر، إذا كان من غير معتنقي أفكار التنظيم، والدليل أن الخالدي مدني وليس عسكريا؟ ورغم ذلك استهدفته “القاعدة” واستباحت دمه، وأعلنت أنها سوف تقتله وتتقرب إلى الله بقتله! هذا التطور الفكري الانشطاري، يعني أن تنظيم القاعدة، انقلب إلى مجموعة من قطاع الطرق والقراصنة وأصحاب الإجرام باسم الدين، ما يذكرنا بفرقة “الحشاشين” الشهيرة! ودعوني أتوقف للحظات مع بعض ما ورد في الحوار الهزيل، بين السفير السعودي مع مشعل الشدوخي، حيث نتوقف عند المطالب التي جاء فيها إطلاق جميع السجينات في السجون السعودية، وتسليمهن لنا في اليمن.. مع هيلة القصير ونجوى الصاعدي وأروى بغدادي وحنان سمكري ونجلاء الرومي وهيفاء الأحمدي، المحتجزات في السجون السعودية. هذا المطلب الأول لتنظيم القاعدة، والذي جرى بين السفير السعودي وأحد أعضاء التنظيم لإطلاق سراح الدبلوماسي السعودي المختطف في اليمن عبد الله الخالدي، غريب وعجيب، ويمكن من خلاله أن نقرأ بعض ما يحدث في تنظيم القاعدة، فمن المعلوم أن التنظيم يصرح انه يحتكم إلى الفهم السلفي للدين، وفي نفس الوقت يقفز على قضية حساسة في الفقه السلفي، وهي المرأة، فيطالب الجهات السعودية بأن تسلمه مجموعة من النساء من دون الرجوع إلى أولياء أمورهن! وذويهن من الآباء والأخوة والأبناء، فكيف يفسر التنظيم قفزه على هذا الأمر، إذ لا يمكن تخريجه إلا من خلال إحدى القراءات التالية: الأول: أن التنظيم يرى أن الولاية هي للقيادة بالتنظيمية بالدرجة الأولى، والسمع والطاعة للأمير، وليس لأحد ولاية فوقه، بما في ذلك الآباء والأزواج. الثاني: هو أن التنظيم يتبع مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ومستعد للقفز على جميع أدبياته العقدية والفقهية، من أجل أن يحقق مكاسب متوهمة، وسبق أن رأينا ذلك في تعامله مع المرأة، عندما زج بها في العمليات الانتحارية والعمل العسكري، على الرغم من أن أدبيات التنظيم كانت تسير في اتجاه واحد، وهو أن دورها يقتصر على تربية الأولاد ورعاية أسرتها وزوجها، مع الاستعانة بها عند الحاجة في الدعم اللوجستي على نحو ضيق، لكن مع حالة التضييق الأمني وتجفيف المنابع، والقبض على معظم الرجال ومحاصرتهم والتضييق عليهم، التفت “القاعدة” على أدبياتها، وزجت بالنساء في قلب المعركة، من خلال استخدامهن لأول مرة في العراق في العمليات الانتحارية، حتى أن زوجة زعيم “القاعدة” الجديد أيمن الظواهري أطلقت نداء عام 2009، للنساء للمشاركة في الجهاد إلى جانب أزواجهن، وزوجها نفسه كان يقول في رسائل سابقة إن مهمة المرأة تقتصر على رعاية زوجها وأبنائها وبيتها. * "المجلة" اللندنية