هذا المقال سيكون مليئا بالأرقام. لكنها أرقام مثيرة إذا ما فطنا إلى «الإنترنت» كرافد اقتصادي جديد ومهم في السعودية. حيث تتعدد الروافد تبعا لظروف العصر. قبل أن أشير لهذه الأرقام المثيرة، لابد أن أشير إلى المسوغات التي نشترك فيها مع أغلب العالم. فلا يمكن أن تقارن مساحة الحرية والمرونة التي وفرها الإعلام الجديد مع الإعلام التقليدي، فغدا الإنترنت بطبيعة الحال الملاذ للمتصفحين كما للموهوبين من الشباب السعودي، الذين يتسابقون في عرض برامج خاصة على يوتيوب مثلا، ومثل هؤلاء يتزايدون يوميا بعشرات من البرامج الاجتماعية الساخرة التي تناقش قضايا مختلفة وحساسة، دون خضوع لقيود البث الفضائي. وهم بذلك يكسبون جماهيرية أعلى، حيث إمكانية الوصول إلى أكبر عدد من الناس، وحيث الإنتاج في الإعلام الجديد أيضا أقل كلفة بلا شك. ولا ننسى فوق هذا أن مجتمع المملكة مجتمع شبابي، يشكل الشباب فيه أكثر من 60% من نسبة السكان. وبفعل هذه التطورات التقنية الحديثة، نشهد شبابا سعوديين ساهموا في تطوير محتوى الإنترنت وجذبوا ملايين من المتابعين. تشير دراسات إلى نمو الإنفاق على التقنية واستخدامات الإنترنت في السعودية بنسبة تصل 50% في العام الواحد. إذن فهؤلاء الشباب يعلمون تماما أنهم يجبرون المستثمرين على اللحاق بهم، وليس العكس. ولا نغفل، على أية حال، وجود أكثر من 5 ملايين سعودي على موقع فيسبوك، ويشكلون 35% من مستخدمي تويتر العربي، وارتفاع نسبة استخدام الهواتف الذكية بالمملكة مؤخرا إلى 26%. للشباب السعودي الموهوب «كاريزما» خاصة في العالم الافتراضي، ولو طَوّر هؤلاء ذكاءهم وحضورهم القوي هذا لأمكنهم استغلال الإنترنت اقتصاديا واجتماعيا بأمثل ما يمكن. وفي هذا السياق أذكر على سبيل المثال شراء إحدى شركات الألعاب العالمية والمعروفة موقع الألعاب «كملنا» مؤخرا، التابع لشركة رمال لتقنية المعلومات، التي يديرها ويملكها المدون السعودي الشاب عصام الزامل بمبلغ قدر ب 10 ملايين دولار. ولربما شهدنا أمثلة شبيهة مستقبلا، فمن القادم؟ ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت بالمملكة إلى 46% من إجمالي عدد السكان في العام الماضي، أي أكثر من 13 مليون مستخدم، مع الأخذ في الاعتبار 800 مليون مشاهدة شهريا للإنترنت على الجوال. ووفق تقرير نشره موقع «الرياض نت»، فقد وصل مستخدمي الإنترنت في المملكة خلال عام 2011 إلى 11 مليونا و400 ألف مستخدم، متصدرة بذلك دول الخليج، مع الوضع في الاعتبار الفارق السكاني بين الدول. قرأت مؤخرا تقريرا بعنوان « فرصة تحقيق 4,2 تريليون دولار: اقتصاد الإنترنت في مجموعة الدول العشرين»، وذلك ضمن سلسلة إصدارات «عالم مترابط» ل «ذا بوسطن كونسلتينج جروب». يقول التقرير إن الإنترنت ساهم في دعم اقتصاد السعودية من خلال تحقيق ناتج هائل وصل إلى 10 مليارات دولار في العام 2010، ما يمثل 2,2 % من الناتج المحلي الإجمالي، ليضع المملكة في المركز الثالث عشر ضمن قائمة مجموعة الدول العشرين. ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم إلى 28.5 مليار دولار بحلول عام 2016، ما يعادل 3,8 % من الناتج المحلي الإجمالي. وإضافة للتصفح المعلوماتي والاجتماعي والترفيهي كالألعاب، تنشط التجارة الإلكترونية بين السعوديين بشكل مطَّرد. فتجد متاجر افتراضية جمة يديرها سعوديون. فهم بذلك مستهلكون ومسوقون. إذن فلا عجب أن يتوقع خبراء في برامج دعم وتطوير صناعة الإنترنت مؤخرا حدوث طفرة في صناعة الإنترنت بالسعودية. وقد ذكر التقرير نفسه أنه في عام 2010، بلغت الحصة الإجمالية لمعاملات الشراء والتسوق التي أجريت عبر الإنترنت في المملكة 3 مليارات دولار أمريكي، (والجدير بالذكر أن الإنترنت استأثر بحصة إضافية بلغت 4,7 % من إجمالي تجارة البيع بالتجزئة وذلك من مستخدمين من السعودية فقط)، ومن المتوقع أن تصل إلى 8,0 % أو 15 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2016. وأشار التقرير أنه لو اعتبر الإنترنت قطاعا في السعودية، لتجاوز ضعف ما يوفره قطاع الخدمات الاستهلاكية. وفي دراسة أخرى قامت بها شركة «أومنيكوم جروب» المتخصّصة في فرص التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تقول إن 86 % ممن شملهم الاستطلاع في السعودية، يرتادون موقع فيسبوك، يليها مواقع الدردشة، وأخيراً البريد الإلكتروني. كما كشفت الدراسة أن 54% منهم، يرتادون مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن منتجات.