الواقع اليمني بكل تفاصيله يسبح في مشاكل لا حصر لها، يركز البعض على المسألة الاقتصادية باعتبارها جذر الأزمة اليمنية، بينما ترى أغلب القوى التي شكلت المعارضة وبعض من كان في الحكم أن الجانب السياسي أصل الداء ولا حل لبقية المشاكل إلا بتطوير المجال السياسي وتقدمه. وفي خضم النزاعات يتم تجاهل البعد الثقافي ودوره في التغيير، رغم أنه المحور المؤثر على الفعل السياسي، فالثقافة هي من يحدد الوعي الذي يؤثر على سلوك الفاعلين، وفي صراع السياسة الحالي نجد أن ثقافة القبيلة ووعيها بتجلياته المختلفة مازال لها الغلبة. وما يعقد الصراع أن الدولة بنية هشة يتم التعامل معها باعتبارها مجالا لتحصيل الغنائم. ولأن الثقافة مصابة بالجمود والتكلس لم تتمكن المشاريع السياسية في العشرين السنة الماضية من إحداث تحول ملموس وحقيقي، وما يعقد التحول ويجعل منه إشكالية مركبة أن كل طرف يفسر المشاكل بدهاء المراوغ المزور للواقع وبأسلوب الفارس المخادع الباحث عن غنيمة، فيصبح التفسير إدانة للخصم ودعاية لتسويق الذات. وما يزيد الطين بلة أن الأطراف المتنازعة تدير السياسة بالشعارات الجديدة وتتمظهر أغلب القوى حتى الدينية بمشاريع الحداثه وواقع الحال يؤكد أن العقل التقليدي مازال له القول الفصل. فعادة ما يتم توظيف القيمة الجديدة في رقعة شطرنج اللعبة السياسية المحكومة بالوعي القبلي، ناهيك أن البنى الجديدة تعمل وهي راضخة كليا على مستوى الوعي لصراع التاريخ وثقافته التي مازالت متأصلة. ونلفت الانتباه إلى نقطتين مهمتين معرقلتين للتغيير في اليمن: الأولى: أن محدودية الموارد جعل الصراع عليها متوحشا وانتهازيا، ومن جهة أخرى هشاشة الاقتصاد وضعفه والمسجون في النزعة الاستهلاكية أعاق الانتقال باتجاه العصرنة، فتأثيره مثلا على البنية الاجتماعية كان سطحيا وشكليا، ولم يمس الوعي التاريخي الغائر. والثانية: أن الفقر المعرفي عرقل الانتقالات الإيجابية في جوانب الحياة المختلفة ولم تجد من يؤسس لها مشروعا واقعيا وعقلانيا لتحقيق الانتقال المستجيب لطموح الناس وحاجاتهم. والخلاصة أن حلم التغيير وصوره التي تتجلى بين حين وآخر عبر تاريخ الجمهورية في صراعات السياسة ليس إلا حالة غضب جماهيري توظفها مراكز القوى في واقع مسجون في تناقضاته التاريخية.