أحياناً أسأل نفسي هل السعودي يثير الفوضى أينما حل؟ هل هو مسكون بكسر القوانين والأنظمة، وحين يفعل ذلك يهرب ويغيب في غابة صحرائه؟ ماذا نسمِّي حالة هؤلاء الأطفال السعوديين الذين تركهم آباؤهم في كل دول العالم، دون أن يعترفوا بهم، ودون أن يضمنوا لهم ولزوجاتهم حق النفقة؟ ففي سوريا لوحدها ما يقارب 280 أسرة سعودية، يمثلها أكثر من 800 فرد، يعيش بعضهم على مساعدات جمعية أواصر التي ترعى الأسر السعودية في الخارج، أما من لم يشملهم حق التسجيل في هذه الجمعية، فلم يبقَ لهم سوى الله سبحانه، في هذا الجوع والشتات وانعدام الأمن هناك. حاولت أن أقلب الموضوع على جوانبه، ما الذي يجعلنا هكذا؟ هل هو القانون المتشدّد في شروط زواج السعوديين من الخارج؟ أم انفلات المواطن من العقوبة حين يمارس متعته لأشهر أو حتى لسنوات، ثم يختفي، ولعل الدهشة أن تقول المواطنات السوريات أمهات هؤلاء الأطفال السعوديين إنه هرب واختفي، وفقدت الاتصال به، ألا يوجد لهؤلاء أرقام سجل مدني وعناوين تستطيع الدولة من خلالها جلبهم ومعالجة أوضاع أُسرهم، بدلاً من الصرف عليهم هناك، عبر جمعية أواصر؟ العجيب في الأمر، أنه حتى هذه الجمعية التي يفترض أنها تسعى إلى الخير، لا تقوم موظفاتها بتسجيل أُسرة جديدة إلاّ بالهدايا، كما تقول سيدة سورية هجرها زوجها السعودي، ولديها منه طفل سعودي عمره تسعة أعوام، تقول: «أمضيت أكثر من عامين أراجع السفارة السعودية لغرض تسجيله في الجمعية بعد أن سمعت عنها من سيدة هجرها زوجها السعودي مثلي، ولم أفلح طيلة العامين الماضيين في التسجيل حيث تعرّضت للمماطلة من قِبل إحدى الموظفات، وأكدت لي بعض النساء أنهن لم يسجلن أسماءهن إلاّ بعد حصولهن على هدايا»! تخيّلوا، حتى هذه النافذة الوحيدة التي يأتي منها ضوء المال الشحيح، لا تنفتح إلاّ بواسطة هدايا، فمن ينصف هؤلاء النسوة المهجورات، وهن تورّطن بأطفال لا يستطعن الصرف عليهم، ومن ينصف هؤلاء الأطفال الذين يعيشون في غير وطنهم، بل إنهم لا يفتقدون أوطانهم فحسب، إنما يفتقدون الأب والوطن والأمان والمال، فما ذنبهم وقد جاءوا لقاء متعة عابرة لرجل غير مسؤول؟. أشعر أنهم الآن يعيشون مأساة لا مثيل لها في حياتهم، خاصة مع تصاعد وتيرة الثورة السورية، وحالات القمع والقتل التي يتعرّض لها السوريون بشكل يومي، فكأنما الحياة لم تكتفِ بحرمانهم من آبائهم وأوطانهم، بل جعلتهم في صراع مع الموت كل ثانية، في بلدان ليست بلدانهم، وأمام ثورة ليست لهم. هؤلاء يعانون من عدم الاعتراف بهم أولاً، ومن عدم إعادتهم إلى وطنهم ثانياً، رغم أنّ هناك حالات بادر فيها الآباء بالاعتراف بهم وإعادتهم، بل إنّ هناك من الآباء ممن رحل عن هذه الدنيا، لكن أبناءه أعادوا إخوتهم من الأب إلى بلدهم، تحت الإحساس بالمسؤولية، لكن ذلك لا يحل السؤال اللغز: لماذا يتزوج هؤلاء وهم لن يحافظوا على بيوتهم؟ لماذا اقتربت حالات طلاق السعوديين من السوريات خلال 2008-2009 من حاجز الثلاثين ألف حالة، أي بمعدل 79 صك طلاق يومياً؟ أعتقد أنّ الأمر يحتاج إلى دراسة، وإلى وضع قانون ينظم هذه العلاقة الزوجية.