عصابات مافيا، سماسرة، مكاتب متخصصة في النصب والاحتيال، فتيات جميلات وشباب يقفون في المطارات، محامون ومكاتب قانونية تتقن فنون التزوير كافة، شقق مفروشة مجهزة، سهرات ماجنة لإيقاع الشباب في الخطيئة ثم ابتزازهم بصور وأفلام، سرقات واستيلاء على الاموال وجوازات السفر والبطاقات البنكية، توقيف في أقسام الشرطة، أسر بلا عائل، أبناء بلا آباء، ضحايا بلا ذنب أو جريرة تربوا في دول لا يعرفون وطنهم ولا عوائلهم ولا أسرهم. قصص وحكايات كثيرة رصدت لأسر سعودية في 21 دولة في مختلف القارات، وهي الأسر المسجلة رسميًا في سفارات تلك الدول، وعددها (672) أسرة تضم (1936) فردًا، منهم الفقير والمحتاج جدًا، والذين يتم دعمهم ومساعدتهم، ومن قامت الأم بدور كبير في رعاية أبنائها بعد أن اختفى الأب السعودي وقطع اتصاله بهم، ولم يعرفوا عنه شيئًا، وصار منهم أطباء وصيادلة ومهندسون، ولكنهم لا يعرفون شيئًا عن أعمامهم وأهلهم في المملكة، أما الذين لم يتم الوصول إليهم فهناك من يتحدث عن أرقام تصل إلى الآلاف، رغم غياب الأدلة على صحة هذه الأرقام، وإن كانت هناك محاولات جادة مدعومة من جهات رسمية حكومية، وتقوم بها جمعية “أواصر” للوصول إلى هذه الأسر والتعرف عليها ومد جسور التواصل معها، وإثبات أن هؤلاء يرجعون لآباء سعوديون فهذه يتم تسجيلها وإنهاء أوراقهم الثبوتية كافة. وتشير الإحصائيات إلى أن كثيرًا من الشباب السعودي المسافر للخارج في رحلات سياحية يقع ضحية لعصابات تحترف النصب والاحتيال والجريمة المنظمة، لتصطاد من يرغبون في المتعة الحرام، ومن يبحثون عن “زواج سياحي” أو “زواج مصياف” أو “زواج بنية الطلاق”، حيث أصبحت هذه الساحة سوقًا للنخاسة تعرض فيه نساء وفتيات، ومحامون ومكاتب استشارات قانونية يعرضون عقود زواج مزورة. ومع أن بعض هؤلاء يتذرعون بأنهم تزوجوا بحثًا عن العفة ورفضًا للوقوع في الحرام، إلا أن فعلهم هذا ترتب عليه ضرر على آخرين، كما أن هذا الزواج هو استغلال لفتاوى “الزواج بنية الطلاق” التي فتحت الباب على مصراعيه، مما جعل اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة سماحة المفتي العام الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ تفتي بحرمته وجاء في الفتوى: “الزواج بنية الطلاق زواج مؤقت، والزواج المؤقت زواج باطل؛ لأنه متعة، والمتعة محرمة بالإجماع، والزواج الصحيح: أن يتزوج بنية بقاء الزوجية، والاستمرار فيها، فإن صلحت له الزوجة وناسبت له وإلا طلقها، قال تعالى: “فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ”. الرسالة سعت من جانبها لإلقاء الضوء على هذه القضية الشائكة فكان التحقيق التالي: إرث ثقيل بداية يقول رئيس مجلس إدارة جمعية رعاية الأسر (أواصر) الدكتور توفيق السويلم: اكتشفنا أبناء سعوديين في الخارج لا يستطيعون استرداد جنسياتهم، ومنهم من كانت أمه غير مسلمة، وتركها زوجها هي وأبناءها الذين لا يعرفون عن أبيهم شيئًا، بعض هؤلاء “السعوديين” يحملون أسماء غير إسلامية مثل “مايكل الشهري” و“ستيوارت بنت العتيبي “ و“جون...”، وهناك من طلب إعلان إشهار إسلامه لأنهم لا يعرفون شيئًا عن بلدهم ولا عن دينهم وعقيدتهم، تركهم الآباء واختفوا، وتولت تربيتهم أمهات غير مسلمات على ديانتهن، حتى شبّ الأبناء وكبروا واكتشفوا أصولهم وبدأوا يبحثون عنها. وأضاف السويلم: حملنا إرثًا وهمًا ثقيلًا لغياب آباء لظروف قاهرة مثل الوفاة أو الإدمان أو السجن، وهناك آباء انعدمت فيهم النخوة وتركوا أبناءهم وزوجاتهم دون أي إحساس بالمسؤولية، هذه الحالات يمكن أن نقول إنها (ملف جراحات)، وأضاف: لقد بدأنا البحث عن هذه الأسر ونجد الدعم من سمو النائب الثاني ولا نحتاج إلى دعم مادي بل حاجتنا إلى دعم المجتمع، خاصة من أعمام وأخوال أبناء السعوديين المنسيين في الخارج. هناك من تقبلوا أبناء إخوانهم المنسيين ورحبوا بهم واستطعنا إرجاع بعض الأسر للمملكة، وبالمقابل هناك من رفضوهم وشككوا في النسب، طمعًا في الميراث، وهناك من ناصبوا إخوانهم العداء لأسباب مادية غير معترفين بأنهم أشقاءهم. أسباب متفاوتة أما الشيخ الدكتور سعد العريفي فقال: هناك للأسف من يريدون الزواج من الخارج فيقعون في فخ عصابات النصب والاحتيال التي لا تراعي الله ولا رسوله، كل هدفهم المال واستنزاف الشاب أو المواطن السعودي. الخطر الذي يشكله من يتزوجون من الخارج بلا إذن ودون اتباع الضوابط الشرعية والإجراءات النظامية أنهم يضرون أنفسهم، ويقعون في أخطاء شرعية، بل هناك من يقعون في جريمة الزنا فيتزوجون دون أن يعرفوا من يتزوجون وما إذا كانت بكرًا أم ثيبًا، وهل هي خالية وأوفت عدتها أم لا. واسترسل العريفي بالقول: لا شك أن البعد الشرعي غائب عمن يقعون في الزيجات غير الشرعية من الخارج، وأيضًا افتقاد البعد النظامي، ولا بد من اتخاذ إجراءات ضدهم ومحاسبتهم، وما نسمعه من زيجات غير مسؤولة، وأسر سعودية تركت بلا عائل، وأبناء تربوا في كنف أمهات غير مسلمات بدون وجود الأب هو أمر خطير أعزوه إلى الإغراء المادي والشهوة كدوافع للزواج من الخارج، لذلك أطالب بسرعة حصر أبناء السعوديين في الخارج، واستخراج الأوراق الثبوتية لهم، وتهيئتهم للعودة إلى وطنهم. مشكلات اجتماعية ومن جانبه يرى الدكتور عبدالرزاق اليوسف أن عملية الزواج من الخارج لا تتم وفق أطر رسمية وشرعية، وأن هناك من يقعون في مشكلات كبيرة قانونية وشرعية وقد يعرضون أنفسهم إلى مخاطر، قائلًا: لا بد من وجود ملحق اجتماعي بسفارات المملكة بالخارج يكون على وعي ودراية بالمشكلات الاجتماعية التي تواجه السعوديين بالخارج سواء أكانوا سافروا للسياحة والنزهة أو للدراسة. وأضاف اليوسف قائلًا: لا يمكن الحد أو الحجر على حرية أحد، ولا نلزمه بقيود وأُطر ولكن لا بد أن يلتزم كل شخص بالنظم المرعية، وأن يراعي حقوق الآخرين، فالمشكلة ليست في كون الزواج من الخارج أو من الداخل، ولكن فيما يترتب على ذلك من حقوق ومسؤوليات والتزامات، ولا يمكن أن تترك الزوجات أو الأبناء يواجهون ظروف صعبة عندما يختفي الآباء عنهم. مشكلات متراكمة من جانبه يرى عضو مجلس ادارة جمعية “أواصر” الدكتور سمير بن أحمد باعيسى أن الأولوية لجمع الأسر السعودية التي تقطعت بها السبل في الخارج، ولا يعرفون شيئًا عن وطنهم وبلادهم، وقال: ربما يكون الزوج قد توفي ولا يعرف أهله بزواجه من أخرى في الخارج، وهذا يسبب مشكلات كثيرة جدًا بين أبنائه وزوجته، ولا يكون هناك أي تقبل للزوجة الأجنبية ولا أولادها، وهنا تقع مشكلات كثيرة، ولكن أول طرق الحل هو توثيق الأوراق والإثباتات للأبناء والأسر السعودية في الخارج، وهذا ما نقوم به مع سفارات المملكة بالخارج من خلال جولاتنا في العديد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية. واعترف باعيسى بوجود معوقات كثيرة في هذا الجانب من الطرفين، ويقول: كما أن هناك أسرًا في الداخل لا تتقبل أبناءها من زوجات أجنبيات في الخارج، هناك زوجات سعوديون في الخارج لا تقبل بعودة أبنائها إلى المملكة، وتحاول عزلهم عن أهلهم، وقطع صلتهم بهم. نطاق العمل في الخارج تحت إشراف وزارات الداخلية والخارجية والشؤون الاجتماعية. نحن نعمل لحل مشكلات متراكمة منذ سنوات طويلة، هناك أبناء سعوديين وصل سنهم إلى عشرين أو نحوها ولا يعرفون شيئًا عن بلدهم، نريد أن نحل مشكلات هؤلاء وأن نهيئ لهم السبل إلى ذلك. من يريد العودة إلى بلاده نساعده، ومن يريد البقاء في البلد الذي يعيش فيه نستخرج له الوثائق الثبوتية لنضمن له حقوقه متى أراد العودة إلى بلاده. أرقام العنوسة المفزعة ومن ناحية أخرى يرى الداعية والباحث التربوي الشيخ خالد العثمان أن حل مشكلة زواج السعوديين من الخارج يرتبط بحل مشكلات الزواج في الداخل، وقال: ما نراه من مغالاة في المهور والبهرجة والحفلات والاشتراطات التي يشترطها أولياء أمور الفتيات تسببت في ازدياد معدلات العنوسة داخل المملكة وهذا ما تشير إليه الأرقام المتداولة، ونعرف جميعًا كتربويين ودعاة نعيش داخل المجتمع، وتعرض علينا العديد من المشكلات سواء من الشباب المقبل على الزواج أو من الفتيات اللاتي يرغبن في الزواج فيصطدمن بمغالاة الأهل في تكاليف الزواج، فيعرض الشباب عن الزواج وتدفع الفتيات الثمن. وأشار العثمان إلى دور المسؤولين في بعض المناطق والوجهاء وصدور توجيهات بالحد من غلاء المهور، ومطالبة الآباء بالتيسير في الزواج، وقال: للأسف الظاهرة ما زالت قائمة، وفي حاجة إلى جهود كبيرة دعويًا وإعلاميًا وتربويًا واجتماعيًا. هناك من يفترض أن الزواج من الخارج أقل تكلفة لذلك يذهب إلى أي دولة عربية أو غيرها ويتزوج، ويفاجأ بالعديد من المشكلات أولها الحصول على موافقة بالزواج من أجنبية، ثم تكاليف السفر والإقامة في بلد الزوجة والهدايا وغيرها، فيجد الشاب نفسه قد تورط أكثر فلا يكون أمامه سوى أن يطلق من تزوجها ويختفي، وقد تكون حملت منه أو أنجبت وتترتب على ذلك مشكلات كثيرة، أو يحاول إحضارها للمملكة بتأشيرة عاملة وهي زوجته ويستمر وضعها غير نظامي. زيجات غير مشروعة وبدوره يطالب المستشار الاجتماعي والأسري الدكتور علي بن سليمان الحناكي بوضع ضوابط للزواج من الخارج، وتقنين المسألة ولا تترك حتى نفاجأ بأوضاع مأساوية لأسر سعودية، وأن تتخذ الإجراءات النظامية ضد من يتركون أسرهم في الخارج ويقطعون صلتهم بهم، قائلًا: نتفهم الأمر إذا توفى الزوج أو سجن أو ألم به مرض شديد ولكن من يعيش حياة طبيعية ويترك زوجته وأولاده في الخارج يعيشون حياة صعبة وبائسة ويرفض الإنفاق عليهم أو التواصل معهم فهذا أمر غير مقبول. وحذر الحناكي من وجود عصابات وسماسرة وتجار بشر، يقفون في مطارات بعض الدول العربية والإسلامية للإيقاع بالشباب السعودي وتوريطه في زيجات غير مشروعة بل هي مجرد دعارة وزنا، ففي الغالب تكون الفتاة متزوجة من آخر، أو كانت متزوجة ولم تنته عدتها، أو أنها في الأصل داعرة، أو فتاة ليل تعمل في ملهى، وسماسرة الزواج يستغلون السذج من السعوديين الذين يسافرون إلى هذه البلاد ويرفضون الوقوع في الحرام، فيتم تقديم عروض لهم بفتيات ونساء يكن منتظرات في سيارة أو باص خارج المطار، وتكتب “ورقة” من خلال محامٍ على أنها زواج. ودعا الحناكي الشباب السعوديين الذين يسافرون في الخارج إلى الحذر من الوقوع في فخ هذه العصابات التي تستهدف ابتزازهم والإيقاع بهم تحت طائلة القانون، وبخاصة في هذه البلاد التي تجرم زواج القاصرات أو من هن دون الثامنة عشرة. ونفى مستشار (أواصر) الذي قام بالعديد من الزيارات للخارج ضمن زيارات الجمعية لتفقد أحوال الأسر السعودية التي تقطعت بها سبل العودة للبلاد وجود آلاف من أبناء السعوديين في الخارج، ممن تخلى عنهم آباؤهم ورفضوا عودتهم للبلاد، وقال: هناك حملات دعائية ضخمة تشن من بعض وسائل الإعلام لتضخيم العدد والوصول به إلى أرقام فلكية، وهنا أؤكد أن عدد الأسر السعودية المحتاجة والمقيمة في خارج السعودية هو (672) أسرة تضم (1936) فردًا، موزعة في (21) دولة، ومنهم الفقير والمحتاج، وهناك أمهات قمن بأدوار كبيرة في رعاية أبنائها بعد أن اختفى الآباء السعوديون وقطعوا اتصالهم بهم، ولم يعرفوا عنهم شيئا في رعاية أبنائهم وتعليمهم، فأصبح منهم أطباء وصيادلة ومهندسون، لكنهم لا يعرفون شيئا عن أهلهم في المملكة. واختتم الحناكي حديثه قائلًا: سجلنا حالات زواج سعوديين في الخارج من غير مسلمات، وصار هناك أبناء، وتخلى الزوج عن زوجته وأبنائه، وبالطبع قامت الأم غير المسلمة بتربية أبنائها على ديانتها، ولذلك وجدنا من يقوم بإعادة إعلان إسلامه وهو سعودي، وهذا مرجعه إلى أن الابن الذي تخلى عنه الأب وتركه لأمه قامت الأم بتربيته وعندما كبر اكتشف أنه من أب مسلم، فأعلن إسلامه. ************************** تنظيم زواج السعوديين من أجنبيات حرصت الدولة على تنظيم شؤون الزواج من خارج المملكة، فأصدرت تنظيمًا عام 1393ه للزواج من الخارج، حتى لا يؤثر هذا الزواج في مصلحة الوطن ومصلحة السعوديات، ومحصلة هذا التنظيم هو ألا يتم اللجوء للزواج من الخارج إلا في حالات الضرورة القصوى. وتم تطوير هذا التنظيم، وصدرت قواعد جديدة تحكم الزواج من الخارج أكدت التنظيم السابق، ومنها عدم السماح لموظفي جهات معينة تتصف بالحساسية والأهمية من الزواج بالخارج ومن القواعد المستحدثة في التنظيم الجديد: أولًا: السماح بالزواج من المواطنين السعوديين، ومواطني دول مجلس التعاون والزواج من المولودات من أمهات سعوديات وآباء غير سعوديين، ومن غير السعودية المولودة في المملكة من أبوين غير سعوديين، باستثناء موظفي بعض الجهات الحكومية ذات الأهمية، ورؤساء مجالس الشركات المساهمة والأعضاء المنتدبين لها. ثانيًا: عدم السماح لموظفي المرتبة الرابعة عشرة فما فوق من الزواج من الخارج، وعدم ترقية الموظف المتزوج بغير سعودية الذي يشغل مرتبة أقل إلى المرتبة الرابعة عشرة فما فوق. ثالثًا: عدم السماح لموظفي الجمارك من الزواج بغير سعوديات وذلك لأهمية وحساسية أعمالهم وتعلقه بالمصلحة العامة. رابعًا: تم في القواعد الجديدة المنظمة للزواج من الخارج إلغاء عقوبة فصل الموظف الذي يتزوج من خارج المملكة بدون موافقة رسمية لكون فصله يؤدي إلى الضرر المادي بأسرته، واستبدال عقوبة لفصل بإحالة المتزوج من الخارج بدون موافقة مسبقة، سواء كان موظفًا أو غيره إلى ديوان المظالم، إضافة إلى عدم توثيق الزواج وعدم السماح بدخول الزوجة أو الزوج “في حالة زواج السعودية من الخارج” إلى المملكة، وإنهاء إقامتهما إذا كان مقيمين داخل المملكة.