د.صلاح بن فهد الشلهوب - الاقتصادية السعودية في هذه الفترة التي تشهد فيها سوق الأسهم تحركا واضحا من خلال ارتفاع أسعار الأسهم وارتفاع المؤشر بشكل عام على مدى الأيام السابقة، وحجم التداولات التي تشهدها السوق، كل ذلك جعل المراقب يشعر بأن هناك مؤشرات لاستمرار حالة الصعود للسوق خلال الفترة المقبلة، وأن كثيرا من الاستثمارات ستتدفق للسوق، بشكل يجعل هذه السوق نشطة، وسيصرف أنظار المستثمرين إلى سوق الأسهم بشكل قد يعيد بنا الذكريات إلى فترات سابقة عندما حققت سوق الأسهم صعودا مستمرا وكبيرا قبل سنوات عدة. من خلال قراءة لتاريخ العلاقة بين سوق الأسهم والاستثمار العقاري فإنه يكاد يكون من البدهي القول إنها ليست علاقة وفاق، فعندما تنشط سوق الأسهم فإن ذلك مؤشر لركود القطاع العقاري، وكذلك عندما تتدفق الأموال في سوق العقار فإن سوق الأسهم تصاب بحالة من الركود. والسؤال هنا والحالة الآن أن سوق الأسهم بدأت تشهد تحركا فهل هذا يعني أن سوق العقار ستشهد ركودا في الفترة المقبلة؟ وهل هذا السلوك يعتبر طبيعيا من الناحية الاستثمارية؟ عند النظر إلى تاريخ العلاقة نجد أنها متعاكسة بين سوقي الأسهم والعقار، لكن التحرك الحالي لسوق الأسهم في هذه الفترة قد لا يكون بالضرورة مؤثرا بالمستوى نفسه، وإن كان متوقعا أن تخف حالة الطلب في سوق العقار، والسبب في ذلك وجود مجموعة من الإجراءات التي تمت في السوق المالية، التي حسنت من أدائها؛ منها على سبيل المثال الفصل بين قطاع التمويل والاستثمار والتصريح لمجموعة من المؤسسات المالية الجديدة للعمل في السوق بحيث زادت حصة الاستثمارات في الأسهم من خلال الاستثمار المؤسسي بدلا من الأفراد، التي تكون قرارات مبنية على دراسة وليس دخولا عشوائيا في السوق. وإن كانت حالة عمليات المضاربة في الأسهم ذات رأس المال المتدني موجودة حاليا. من الأمور التي أدت إلى زيادة كفاءة السوق زيادة عمق السوق، حيث إن عدد الأسهم حاليا أكبر بكثير منه في السابق، كما أن عملية طرح الأسهم الجديدة والاكتتابات ما زالت مستمرة حاليا، وهذا يحد نوعا ما من حالة المضاربات المحمومة سابقا. إضافة إلى أن هيئة السوق المالية أصبحت تمارس عقوبات وتشهيرا على المتلاعبين، ما قلل حالات التدليس والتغرير في سوق الأسهم. أما فيما يتعلق بالاستثمارات في السوق العقارية، فإنه من الصعب توقع أن يكون هناك ركود شديد كما حصل في فترة سابقة، حيث تشكلت في الفترة الماضية استثمارات ضخمة في السوق العقارية، وصناديق استثمارية لهذا الغرض، إضافة إلى احتياج السوق إلى الاستثمار في المجال العقاري، خصوصا عندما نعلم أن أزمة السكن ما زالت قائمة، والدعم الحكومي في الفترة الماضية يشجع على الاستثمار في القطاع العقاري، فالمتوقع أن يحصل تصحيح منطقي لحالة الزيادة الكبيرة في أسعار العقار، خصوصا الأراضي التي وصلت الأسعار فيها إلى أسعار مبالغ فيها، كما قد يصيب الركود الأراضي البعيدة عن المناطق السكنية. والأمر الآخر هو أن هذه العلاقة المتنافرة بين القطاع العقاري والسوق المالية علاقة غير صحية استثماريا، إذ إن حالة الانتعاش إذا حصلت في السوق ينبغي أن تعم مختلف القطاعات، والتركيز على قطاع دون الآخر يعطي انطباعا عن حالة من ضعف مستوى الرشد الاستثماري، ولا تنعكس إيجابا على حالة السوق، إذ إن مثل هذه الحالة تجعل من حالة الاستثمار في المملكة غير مرغوب فيها لارتفاع درجة المخاطر بسبب مزاجية الاستثمار، والتي قد لا تكون بناء على أسس منطقية للاستثمار، ولذلك من المهم في هذه المرحلة الاهتمام بتطوير السوق العقارية بحيث تكون أكثر تنظيما واستقرارا، إذ إن الحالة الصحية للأسواق أن يكون الانتعاش والركود بناء على الحالة العامة للاقتصاد الوطني، والتي يفترض أن تنعكس على مختلف القطاعات. من المهم أيضا زيادة تنوع الفرص الاستثمارية في السوق المالية، التي تضع المستثمر أمام خيارات متعددة. فالخلاصة أن حالة النشاط التي بدأت في سوق الأسهم قد تجعل من البعض يعتقد أنها بداية ركود شديد في سوق العقار، وهذا أمر ينبغي ألا يكون الحالة السائدة، فالسوق في حاجة إلى نشاط سوق المال والقطاع العقاري، ووجود هذا التباين في النشاط لا يخدم حالة الثقة بالسوق وقد يؤثر في جاذبيتها للاستثمار الذي يتطلع إلى الفرص والاستقرار، كما أن الانتعاش ينبغي أن يعكس واقع الاقتصاد على جميع القطاعات.