(1) ( من أنت ؟ ) سؤال سهل وصعب ، بسيط ومعقد ، مباشر ومراوغ ! تستطيع أن تقول وببساطة : أنا فلان بن فلان . وشخص آخر سيقوم بتأليف كتاب ليجيب على هذا السؤال الشائك . وثالث - أصابته لوثة الفلسفة - سيمضي به العمر دون أن يعرف الإجابة ! في الحي ستكتفي ب : أنا ابن فلان . عندما تخرج منه ستضيف : العائلة / القبيلة . ما أن تخرج من الجغرافيا السياسية التي تحتويك، ستكون الإجابة الأسرع : سعودي ! في مكان ما ، وفي دائرة أوسع ، ستقول : عربي . أحياناً .. ستلغي كل هذا ، وتكتفي ب : مسلم . ولكنك لن تقف عند هذه النقطة !.. ستبدأ معك سلسلة طويلة مذهبية / فكرية / حركية تفتت هذا العنوان الكبير (الهوية الكبرى ) لتحوّله إلى أجزاء صغيرة تنتهي عند مذهبك وعند جماعتك والأفكار التي تؤمن بها . (2) هناك ( هوية ) مؤقتة ! وهناك ( هوية ) بلا هوية ! وهناك ( هوية ) هشّة .. وهناك ( هوية ) صلبة ، تسقط الدول وتتغير الأنظمة ، وتبقى ثابتة ومتينة . وهناك ( هوية ) يتم صناعتها ! .. على سبيل المثال : خليجي كيف استطاعت الاطراف / الساحل .. أن تُلغي العمق / جزيرة العرب ؟ حدث هذا بالأغاني ، والإعلام المكثف . (3) بالأمس طلبت صحافية سويسرية إجراء حوار معي، اتفقت معها على أن يكون في معرض الكتاب أمام الناس وبينهم ( بعيداً عن أي بهو في أي فندق ! ) وطوال الحوار كان الناس يكرمونني بلطفهم بالسلام عليّ وكانوا يسمعونني من الكلمات ما يطرب لها أي كاتب . أحدهم زاد بالمديح ومشاعر الفخر حتى استرعى انتباهها أكثر من غيره .. قلت لها أمامه : هل انتبهتِ للاسم الأخير ؟ .. أنه نفس الاسم الأخير الذي أحمله ( الشمري ) .. من الممكن أنه فخور بي لأنني كاتب ( وطني ) من وطنه ، ولكنه فخور أكثر لأنني من نفس القبيلة ! هذه هوية أخرى ( هوية صلبة ومتينة ) تجمعني مع قطري وعراقي وكويتي وسوري .. وكم ستشعر بانفصام ( الهويات ) داخلك عندما تتصادم تلك الهوية مع هويتك الوطنية ! في برنامج جماهيري ( شاعر المليون ) : كان الجمهور القطري يُصوت لشاعر سعودي ، وكان الجمهور السعودي يُصوّت لشاعر كويتي .. وكلاهما كانت تحركه القبيلة . (4) تعالوا لنتأمل : في العراق ، انهارت الدولة فحلّ المذهب والهويات الصغيرة بدلاً من الهوية الوطنية. في مصر ، انهار النظام ولم تنهر الهوية المصرية . في الكويت ، مجتمع قبلي تشارك فيه القبيلة بصناعة الهوية الوطنية الواحدة / الجامعة .. بدلاً من تفتيتها كما يظن البعض. انظروا ما الذي يفعله الوعي هنا .. وما يفعله غيابه هناك . (5) في أوراقك الرسمية ، وفي بطاقة أحوالك الشخصية وجواز سفرك ، مكتوب : الهوية سعودي . هذه ( الهوية ) تعني ... أو هكذا يجب : أن كل الجهات هي منطقتك . أن كل القبائل قبيلتك . أنك لا تشعر بريبة تجاه لهجة مختلفة عن لهجتك .. ولون مختلف عن لونك .. ومذهب مخالف لمذهبك . هذا ما يحدث معك ؟.. انظر ما الذي يحدث معك - ومع الآخرين - عندما تتحدثون بحرية عبر الانترنت ، ويكون الموضوع حول منطقة أو قبيلة أو مذهب ؟! لحظتها ، أين تذهب هذه الهوية الجامعة ؟ ما الذي يحدث لها ؟! كيف تتحول ( الوطنية ) إلى هوية صلبة ومتينة وجامعة ؟ .. هذه تحتاج إلى ( موَاطَنة ) .. وتلك تحتاج إلى ( مواطن ) .. وهذا يحتاج إلى حقوق كاملة ، وقانون يحميه ويحمي الآخرين منه ، بما يجعل الجميع يشعرون أنهم عصبة واحدة ، ينتمون إلى قبيلة واحدة . لحظتها ، ستشعر أنك تمتلك ( هوية ) قوية ومتينة وصلبة ، لا تفتتها فكرة عابرة أو أحمق خارج عن الجماعة ، ولا تكسرها العواصف . عندما تأتي الأزمات سيلجأ الناس إلى ( هوياتهم الصغرى ) لتحميهم .. ولن يفعلوا هذا إذا كانت الهوية الكبرى صلبة وقوية وجامعة .