يتبيّن للمتأمل في مفاصل العقد الماضي تحديدا أن التصفيات المعنويّة المتبادلة بين رموز التيّارات المتخالفة داخل الوطن تكاد تكون هي السمة الغالبة على المشهد الفكري والإعلامي. وبطبيعة الحال لا مجال للاستنكار أو حتى استغراب وجود وتكاثر مثل هذه التيّارات والمذاهب فهذه سنن تاريخيّة قدّرها المولى حتى يتبيّن كل فريق طريقه وأي النجدين يقوده إلى النجاة. لكن ما يثير العجب والغرابة هو أمران: الأول: وضوح حالة الانقسام الحاد داخل التيّار الواحد ما أدى إلى تفتيت طاقة رموزه ووضعهم في حالة نضال لا يتوقف لترتيب الخندق (البيت) ورصّ الصفوف لمواجهة سيل خصومات "ومناكفات" التيّارات الأخرى المنشغلة – هي أيضا- بذات العلل. أما الأمر الثاني وهو الأعجب والأغرب فهو تضاؤل حصة الوطن و( عامة) الناس في مشاريع وجهود رموز معظم هذه التيّارات. وان ذكرت لهم ذلك تحجّجوا بعشرات الكتب والمحاضرات والمناشط وحينما تتفحّص هذه المنتجات تجدها في غالبها تغذي الهموم وتكرس الانقسام ولا تُجمع على ملف وطني واحد. وعلى سبيل المثال حينما تتبّع لغة الرموز في خطاب الفساد والبطالة أو في مناشير المطالبات (وهي حقيقيّة) بالمزيد من الحقوق والحريات تجد أنّ "ضرورات" مرحلة التيّار والطائفة هي التي تعزف اللحن "وتدوزنه" فقط لتشغل على "ترقيص" كل مشحون ومحبط ليندفع يائسا مضحيا بكل شيء في سبيل رمز لا تمثل له مثل هذه الحوادث إلا المزيد من النقاط والمكاسب الجديدة يضيفها لرصيد "الشحناء" في مواجهة التيّار المنافس أو ضمن أدوات المماحكة الانتهازيّة "المحسوبة" مع السلطة. وتتّضح صورة المشهد الغرائبي مبهرة على امتداد الفضاء الإلكتروني خاصة عبر المنتديات والشبكات الاجتماعيّة حينما تتأمل كيف "يستعمر" رموز التيّارات المتجاذبة صدارة المجلس الإلكتروني وبيد واحدهم "مقشّة" طويلة خصصها لجمع والتقاط القضايا والأوجاع ومن ثم إعادة نثرها وتوظيفها بحيل الكلام وفصاحة المراء في وجوه الجماهير الصاخبة التي لم تعد تعرف – وسط غبار التيّارات- ماهيّة القضيّة ومن هو القاضي. وستجد على المواقع والمنتديات(الحواريّة) أمراً عجباً فهؤلاء لم يُنشئوا مواقعهم لمناقشة مشروع أو توضيح مواقف ناهيك عن محاورة المخالفين، وان بدأوا باسم الحوار فلا يلبثون إلا قليلا ثم تراهم على كل أمر يتشاتمون وبإشارة ماكرة من رمز هؤلاء أو أولئك ينطلق الأتباع بكل لغة ومن كل وسيلة وكل يولي وجهه شطر رمزه مثل قبلة يستقبلها بكل قداسة وإجلال . وحين تحين الفرص في الواقع اليومي مع كل موسم فكري أو حتى حراك رسمي نجد كيف تتناشب الألسن بالشغب متلذذة في كل مرّة بصيد جديد لا تجيد صيده إلا بعض رموز التيّارات بتلصص مجنديها من الزوايا المظلمة على بعضها البعض وحين تنتصف الضحيّة أمام قوس الرامي تتحرّك "الكتائب" الفكريّة لتوظيف الموقف أو الحراك الجديد معها أو تستعدي ضدّه كل "متحالف" بحسب ما تقتضي المصلحة. **مسارات: قال ومضى: لست أعجب من مهارة أساليبك الانتهازيّة... ما يثير عجبي هو استطاعة ضميرك (التعايش) مع كل هذا اللؤم الذي تملكه.