عندما قرأت خبر مصادقة الشاب حمزة كشغري على توبته أمام المحكمة الجزائية في الرياض، وإعلانه التبرؤ كاملاً مما خاض فيه من انحراف كبير وضلال شديد.. تذكرت في المقابل الدكتور مصطفى محمود، ذلك الذي عاش الشك ردحاً طويلاً من الزمن، في بيئة كانت تساعد على السباحة في ما يُسمى بالفلسفة الوجودية، التي تشكك في الإله جل جلاله، وفي أمر الكون والحياة واليوم الآخر. يقول مصطفى محمود عن رحلته الطويلة: (احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين.) وفي ترجمة الدكتور مصطفى محمود على الوكيبيديا ذُكر عن المحنة الروحية التي مر بها (أنها تجربة صهرته بقوة وصنعت منه مفكراً دينياً خلاقاً. لم يكن مصطفى محمود هو أول من دخل في هذه التجربة.. فعلها الجاحظ قبل ذلك، وفعلها حجة الإسلام أبو حامد الغزالي.) الفرق أن الغزالي عاش المحنة لمدة 6 أشهر، وعاشها مصطفى محمود 30 عاما! ثلاثون عاما أنهاها بأروع كتبه وأعمقها (حوار مع صديقي الملحد)، (رحلتي من الشك إلى الإيمان)، (لغز الموت)، (لغز الحياة)، وغيرها من الكتب شديدة العمق في ذلك المعترك الصعب. ويقر مصطفى محمود أنه اعتمد في وصوله للحقيقة على الفطرة.. فطرة الله التي فطر الناس عليها. وبنى مصطفى محمود جامعاً باسمه يضم 3 مراكز طبية ومستشفى وأربعة مراصد فلكية وصخوراً جرانيتية. ومن أشهر ما عُرف عنه برنامجه التلفزيوني الشهير (العلم والإيمان) الذي قدم منه قرابة 400 حلقة معظمها ممتع جذاب يربط بين حقائق العلم وشواهد الإيمان. لقد طالت رحلة مصطفى محمود لأنه قطعها وحيداً يبحث عن معالم تدله على الطريق، وعن بوصلة تدله على الاتجاه الصحيح، ولأن الآخرين ربما قطعوا بكفره ويئسوا من هدايته فتركوه للحيرة والشك والمعاناة. ما ضر العلماء والناصحين آنذاك لو أمسكوا بيده وأسندوا ظهره وأحسنوا معاملته، وساعدوه على اختزال الطريق وصولاً إلى رب رؤوف غفور رحيم.