وقفت متأملا الجدل المستعر أخيرا على بعض مواقع الإنترنت على خلفية نشر الطبعة العربية لكتاب «وهم الإله» للبريطاني ريتشارد دوكنز، الذي راهن في مقدمته على أن القارئ المؤمن لو فتح الكتاب سينهيه وقد أصبح ملحدا!، وأعاد في فصوله ذات الطرح عن تعارض العلم المادي مع وجود الله عز وجل، في صيغة إحيائية للنزعة الإلحادية في طورها الأخير مع القرن التاسع عشر المتسم بالتطور العلمي والتكنولوجي مع انحسار الدور الشامل للكنيسة وبروز الأصوات الجريئة علميا وأيديولوجيا كداروين ونيتشه وشوبنهاور وماركس وفرويد، ونقضهم لأية صلة دينية ترتبط بالخالق مع مكتسبات البشر المادية. النزعة الإلحادية في العالم العربي على وصف كارين آرمسترونغ كانت تواجه جدارا صعب الاختراق أثناء الاستعمار لأسباب متعددة ذكرتها الكاتبة في «تاريخ الخالق الأعظم»، ولكن أثناء تتبعي للنقاشات الدائرة على خلفية كتاب «وهم الإله» وقعت على عدد من العرب في مقدمتهم مترجم الكتاب، يعيدون تكرار ذات الأطروحات التي انتعشت في أربعينيات القرن الماضي وظهور الحركات الاشتراكية المتأثرة بالفكر الشيوعي، وصادف الأمر أن وقعت على تقرير نشر قبل شهرين على موقع CNN بعنوان «الإلحاد يغزو الإنترنت العربي ويثير غضب رجال الدين» مستعرضا مجموعة من مواقع الإنترنت العربية المتخذة من الإلحاد واللادين شعارا لها، متسائلا في نهاية التقرير عن سبب ظهور تلك الموقع التي ترفع لواء الإلحاد ومحاربة الأديان في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات معلنة صعود «صحوة دينية» في عدد من المجتمعات العربية والإسلامية، وتتحدث عن عودة الناس إلى الله والإيمان. في خضم ذلك تذكرت الراحل المبجل مصطفى محمود الذي عاش تلك التحولات وسرد تفاصيلها في رائعته «رحلتي من الشك إلى الإيمان» و «حوار مع صديقي الملحد» معلنا بكل تجرد «احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين» فكتب وألقى واجتهد لينفي عن نفسه شبهة الإلحاد التي رافقته مع أول كتاب له «الله والإنسان» سنة 1957. جيلي وأجيال من قبلي تسمرت أمام مقدمة الناي الحزينة تتابع برنامجه «العلم والإيمان» في نصف ساعة فتحت لنا آفاق معرفة الخالق بآياته، فرسخ في عقلنا أبلغ رد تجاوز لغة التشنيع والطرد، فكافأوه بالمحن واعتزل الناس إلى وفاته... وهكذا يتعامل العرب مع المبدعين!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة