خلال سنوات قلائل استطاع المسئولون عن معرض الكتاب في وزارة الثقافة والإعلام أن يوفروا له فرص الصعود ليس فقط للنجاح من حيث حجم المبيعات وعدد الزوار ودور النشر بل الصعود إلى قائمة المعارض الدولية الأبرز على الساحة العربية بدقة التنظيم والتنوع ومنصات توقيع الكتب والفعاليات المصاحبة، بينما لم تستطع بعض المعارض العريقة مواصلة الصعود على ذات السلم، أي سلم الحضور الشرائي الذي وضع معرض الرياض للكتاب الأول على قائمة المعارض عربياً. وهذا الصعود السريع يحسب للقائمين عليه كما يحسب للوعي الجماهيري الذي رفع نسبة الحضور الى مليون زائر مع أننا ظلمنا أنفسنا كثيرا بإلصاق تهمة (أمة لا تقرأ) بذواتنا بعمومية مفرطة. يوم الثلاثاء (أمس) 13 ربيع الثاني 1433ه الموافق 6 مارس 2012م افتتح معرض الكتاب الدولي في دورته السادسة برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين، تحت شعار (الحياة قراءة) العنوان ذكرني بعبارة قرأتها يوما ولا أذكر قائلها لكنها رسخت في ذهني وتراودني كلما قرأت كتاباً وحلقت في سماء المتعة بجناحي الدهشة والمعرفة، تقول العبارة (إن الانسان يحتاج إلى أكثر من حياة ليستوعب الحياة ولأن الانسان لا يعيش غير حياة واحدة فهو يستطيع أن يحصل على الحيوات الأخرى عن طريق القراءة) والقراءة كتاب يضم خلاصة فكر وتجارب كاتبه ربما لذلك يغريني الكتاب بالشراء والركض خلفه في معارض الكتاب، ولازلت راسخة القناعة بأن الكتاب هو بوابة المعرفة. (منذ تفتح وعيي تعشقت الكتب ورجال الكتب) عندما قرأتها في مقدمة كتاب «عودة الواصل» د/ سعاد الحكيم أدركت أن هذه الحالة «العشق» تلبستني منذ تفتح وعيي على القراءة، لكني مدركة أن القراءة هي الطريق إلى الابداع. اقرأ ثم اقرأ واقرأ كي تكتب وتكتب ثم تكتب! الكتب تمثل زاداً حيويا للكاتب، وضوءا ينير دربه، يقال إن الجاحظ كان مولعاً بالقراءة في صباه، وكان ينام في دكاكين الوراقين، سؤال: هل كان الجاحظ سيؤلف ما يقرب من 150 مائة وخمسين كتاباً لو لم يكن قرأ أضعاف هذا العدد واطلع على كنوزها وعرف خباياها؟ معرض الكتاب هذا العام يحمل في نسخته السادسة العديد من الاضافات التي ترفع من قيمته الثقافية؛ مثل جائزة المؤلف التي أعلن عنها وزير الثقافة والاعلام د/ عبد العزيز خوجة في ملتقى المثقفين في الرياض، وأعلنت نتائجها الأسبوع الماضي وستوزع جوائزها ضمن فعاليات المعرض، والجائزة مناصفة بين دار النشر والكاتب، وهو تحفيز لدور النشر السعودية لتبني الانتاج الأدبي والفكري للكتّاب والمبدعين والمبدعات السعوديين بدلا من لجوئهم إلى دور النشر خارج الحدود وهي المشكلة التي تؤرق الكاتب لأن عليه أن يبدع ويدفع لدار النشر ثم يعاني من ضعف التوزيع وضياع الجهد والمال. الاضافة الثانية هي الفرصة التي أتاحتها للكتّاب لعرض إنتاجهم دون الارتباط بدور نشر بإشراف المجلة العربية، بالاضافة إلى أكثر من 450 دار نشر مشاركة في المعرض هذا العام، وإطلاق معرض الكتاب الافتراضي على الانترنت، وإطلاق مشروع (الكتاب للجميع) وأتمنى أن تكون الاضافة العام القادم بمشروع ترجمة أهم الاصدارات الأدبية التي حصل كتابها على جوائز عالمية مثل جائزة نوبل. محاور البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض تناقش القضايا التي كانت مداراً للجدل مثل قضية الابتعاث، التي ثارت مثل الغبار، بعد أن شكك بعضهم في سلوك أبنائنا وعقيدتهم، لذلك أرى أن وكالة الشئون الثقافية بوزارة الثقافة والاعلام وفقت باستضافة د/ محمد العيسى الملحق الثقافي في أمريكا للتحدث في محور الابتعاث لما عرف عنه من أبوته الحانية على الطلبة والطالبات واحتوائه لنزق ورعونة قلة منهم لا تشكل خطراً على الابتعاث. هذه الفعاليات الثقافية المتعاقبة؛ معرض الكتاب، مهرجان الجنادرية، مهرجان سوق عكاظ، والعديد من الفعاليات الثقافية والاقتصادية، توفر فرص اللقاء والحوار والتقارب والتعارف بين مختلف الأطياف والتوجهات والثقافات، وتذيب الجليد العازل بين أبناء الوطن الواحد، ربما لذلك يسعى بعض مثيري الشكوك في مثل هذه الفعاليات أن يظل الجليد عازلاً، وألّا تكون هناك فرص للتقارب، حسب مبدأ (فرق تسد) كي تنمو بذورهم في حقل الفرقة والتباعد، لذلك لا تمر فعالية بسلام دون هجمة تترية تثير الفزع، وتشد الأنظار عن جماليات المناسبة، وتذوق ثمارها العذبة.