اكتسب «تويتر» أهمية إعلامية كبيرة في ساحتنا المحلية باعتباره موقعا حيويا للتواصل الاجتماعي بين السعوديين. فما أن تظهر قضية عامة أو خبر جديد أو حدث على الساحة، حتى يتسابق السعوديون على إشباعها تعليقا وبحثا ونقاشا وتجاذبا على صفحات تويتر. كل هذا معقول وجيد ومفروغ منه في وقت أصبح فيه الإعلام الجديد محركا للقضايا وصانعا للخبر. إلا أن فضاء تويتر المحدودة حروفه ب 140 حرفا لا يمكن أن يكون ذلك الفضاء العميق الذي يمكن فيه معالجة القضايا المجتمعية الشائكة كالفساد وأسبابه ومعالجته مثلا معالجة متكاملة، فضلا عن إطلاق الأحكام في تلك القضايا ونصب أعواد المشانق وسل السيوف لها. ما هو ليس بمقبول أو بمعقول أيضا أن يتحول «تويتر» إلى محكمة تطلق الأحكام النهائية على كل قضية وتجعلها تبدو وكأنها قضية منتهية أصدر الحكم عليها دون محاكمة قضائية. ففي ذلك تجاوز لحدود النقاش المثمر، وتعدٍ واضح على نظام المجتمع المدني والنظام القضائي المناط به الفصل في القضايا أيا كانت طبيعتها. بالطبع لا يمكن من حيث المبدأ أن ننكر حق أن يعرض كل شخص رأيه في حوار ونقاش على مستوى يليق بما تتطلبه القضية من رقي في العرض. ولكن الملاحظ على «محكمة تويتر» أنها لا تتورع عن استخدام لغة تخوينية عنيفة لا تمت للدين بصلة، ولا للذوق العام ولا تتحلى بأخلاق الحكمة والجدل بالحسنى، وتستخدم مفردات سوقية تجعلنا نتحسر على لغة الجاحظ وابن المقفع ومصطفى لطفي المنفلوطي وطه حسين، وأعلام لغتنا العربية الجميلة من شتى العصور، بل وقبل ذلك كله على لغة القرآن الكريم والأحاديث النبوية في الحوار.. نحن إذن إزاء خطاب صحافي (تويتري) جديد مغرق في النرجسية، يتوسل لغة الإثارة والشتم والقذف، وينحدر بلغة الخطاب ويمارس دور القضاء دون ورع. إنه خطاب يكرس الأزمة التي يعتقد أنه يعالجها. وبالقدر الذي يعكس فيه هذا الخطاب أزمات فكرية عدة، فهو أولا وقبل كل شيء يقوض جهود مركز الحوار الوطني لبناء قاعدة للحوار وآدابه العامة.