تميز الإسلام عن جميع الأديان والمعتقدات الاجتماعية بقربه الموضوعي والعقلاني من حياة الإنسان برحابة لم يعبث بها الإنسان مثلما فعل في الديانات الأخرى، خصوصاً ما هو معروف في المفاهيم التوراتية، أو فيما نزحت عنه المدنية الأوروبية من تحوّل المسيحية في بداية نهوضها إلى كهنوت قياداتية كما لو كانت مرجعيات سياسية.. وقد أعطت الحياة الاجتماعية، وفي بادية بسيطة المفاهيم منذ بداية الإسلام وحتى قيام الدولة الأموية، أبعاداً في الوعي ووضوح المفاهيم لم تحدث في أي مجتمع آخر، ويدعم الإسلام في مضامينه التوجيهية وضوح تعامله عقلانياً - ليس عاطفياً أو افتراضياً - مع الإنسان.. فالإسلام هو لكل إنسان وعبر وضوح قيمه وتوجّهاته، وليس عبر خصوصيات اجتماعية تحدّد مفاهيمه.. أذكر للشيخ الطنطاوي - رحمه الله - أنه في برنامج تلفزيوني أثناء إقامته بالمملكة أن سأله مشاهد: ما هي مميزات رجل الدين المطلوبة؟.. أذكر أنه قال: "ولماذا مميزات كل مسلم هو رجل دين".. إذاً علينا إضافة إلى محاولات احتكار المفاهيم أن نضيف نوعية النزوع إلى خصوصية مظهر تتعلق بشكل مميز.. إننا إذا راجعنا الماضي القريب لخصوصيات الإرشاد بالدين أو التقدم به نحو المجتمع كممارسة قيادية لخصوصية آراء دينية سنجد أن حزب الإخوان المسلمين بدأ بمستوى وعي ليس بالسيئ، ثم بعد صراعه مع الثورة المصرية تحوّل إلى عزلة ليس في النشاط ولكن في نوعية المفاهيم، إلى أن انتهت الأمور بالقول إن مَنْ قُتلوا في بورسعيد ليسوا شهداء.. حيث إن كرة القدم ليست رياضة إسلامية؛ وتحديد الرياضة الإسلامية بالرماية والسباحة وركوب الخيل، وهذا يعني العودة بشكل مجحف إلى الماضي حتى ولو كان الجديد إضافات مشروعة ومطلوبة.. يأتي أيضاً مَنْ يخترق الإصغاء في جلسة البرلمان ويمارس أداء الأذان والحاضرون في اجتماع حوار.. لدينا في المملكة اقتناع في الماضي بوجاهة وجود الحسبة عندما كانت الأكثرية السكانية لا تجيد القراءة وتحتاج إلى الإرشاد المبسط، لكن الواقع الآن يوضّح أن انتشار الثقافة وتعدّدها وكفاءة الوعْي بمفاهيم الإسلام لم يعد يستدعي وجود احتساب ليس للإرشاد لكن لممارسة الرفض لمظاهر نشاط غير متعارضة بالدين.. إذاً فالحسبة هنا هي فرض مفاهيم وليس تصحيحها.. أيضاً مَنْ سمح لهم بممارسة هذه الحسبة في دولة تملك كفاءات قيادات دينية عديدة لم تمرر ممارسات أو مفاهيم خاطئة، فهي مرجعية الرأي وليس مَنْ هم يعتبرون أنفسهم محتسبين دون وجود مبرر لذلك أو كفاءة ممارسة..