سبع سنوات مضت منذ أن سمع الناس في المملكة بتأسيس كيان يعنى بحقوق الإنسان، وذلك في بادرة حكومية هدفت لمزيد من إشاعة العدالة، وتمكين الناس من الحصول على حقوقهم.. وبالرغم من أن جملة (حقوق الإنسان) ظلت في مخيلة أغلب السعوديين أمراً تغريبياً بعيداً عن ثقافتهم؛ ما جعلها غير متداولة في البلاد يوماً، إلاّ أن الانفتاح على العالم الذي عاشه السعوديون في العقد الأخير قد مهد لأن يكون المجتمع متعطشاً للسبل الحضارية التي تمكنه من الحصول على تلك الحقوق.. ففي عام 1426ه تأسست جمعية حقوق الإنسان لتكون أول هيئة معنية بهذا الجانب في البلاد.. ومع سنواتها السبع إلاّ أن الجمعية وأختها هيئة حقوق الإنسان تعانيان فيما يبدو من مصاعب جمة، أهمها ضعف الثقافة الحقوقية في المملكة، وعدم تعاون بعض الجهات الحكومية المعنية. "الرياض" جلست إلى "د. مفلح بن ربيعان القحطاني" رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان؛ ليحكي لنا مسيرة السنوات السبع التي مضت من عمر الجمعية. سبع سنوات *.. وأنت تدخل مبنى الجمعية في ثنايا كل نهار، هل أنت راضٍ عن هذه السنوات السبع التي مضت من عمر الجمعية؟ - ما تحقق من أعمال خلال السنوات الماضية أمر ملموس ونأمل أن تتضاعف الجهود، وأن نصل إلى الأفضل والرضا أمر نسبي، خاصة عندما يعتمد انجاز أغلب قضايا الجمعية على قيام الجهات الحكومية المعنية بمهامها المحددة نظاماً، التي يكفل القيام بها إزالة أسباب الشكوى، ولا شك أن مقولة (الجأ إلى حقوق الإنسان) بدأت تنتشر في المجتمع وفي أجهزة الدولة المختلفة، بل وحتى في نطاق الأسرة، وهذا يعطي انطباعاً أن انتشار الثقافة الحقوقية أخذ في الاتساع وهذا أمر محمود، ولكن ينبغي أن يرافق ذلك تربية للأجيال الناشئة على مفهوم الثقافة الحقوقية لكي يستفيد الوطن والمواطن. وعلى العموم فإننا نستطيع القول إن هناك تغييراً ملموساً قد حدث في مجال حقوق الإنسان في المملكة.. صحيح انه يختلف من جهة إلى أخرى، لكن الإحساس بهذا التغير موجود وملاحظ، حيث يلاحظ ارتفاع نسبة وعي الأفراد بحقوقهم وتوجه الدولة - خصوصاً القيادات العليا - لدعم هذا الموضوع، وذلك من خلال دعم عمل الجمعية وهيئة حقوق الإنسان، وإصدار العديد من الأنظمة والقوانين والقرارات التي تهدف إلى المحافظة على الحقوق وكفالتها. التوعية والتثقيف * ومع كل الجهود الحثيثة التي تبذلها الجمعية والجهات الحقوقية الأخرى، إلاّ أن ثقافة معرفة الناس لحقوقهم في الجانب الإنساني ينتابها بعض الغموض.. هل هي أزمة ثقافة أم أزمة وعي؟ - أزمة إدارة وأزمة وعي وسلوك وتربية؛ فهناك بعض الجهات الحكومية تحجم عن تثقيف منسوبيها سواء بشكل مقصود أو غير مقصود؛ لاعتقاد بعض الجهات أن منسوبيها إذا علموا بحقوقهم اشغلوا القيادات بالمطالبة، رغم أن معرفة الإنسان لحقه وتمكينه من الحصول عليه يدفعه للقيام بواجباته، ويجعله يحترم حقوق الآخرين، كما أن عدم قيام مؤسسات التعليم العالي والعام بإدخال مفردات ومبادئ حقوق الإنسان في مناهج التعليم العالي والعام أو تأخرها في ذلك جعل من ثقافة معرفة الناس لحقوقهم في الجانب الإنساني يكتنفها بعض الغموض والجهل أحياناً، والجمعية تسعى من أجل تكوين نموذج متكامل ومتوازن يقوم على إشاعة احترام حقوق الإنسان والالتزام بتطبيق النظام، وضمان الحق في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. نحتاج إلى تفعيل الرقابة وتغيير نظام الكفالة وتعديل بعض مواد «العمل» كما حرصت الجمعية على نشر الوعي بثقافة حقوق الإنسان لدى المواطن والمقيم والأجهزة الحكومية، ولذلك نستطيع أن نقول إنه تغيّر الشيء الكثير في هذا المجال، وأصبح هناك تقارير عن أحوال حقوق الإنسان تصدرها الجمعية من داخل المملكة ساهمت في إدخال مفاهيم وحقائق جديدة لم تكن موجودة انطلاقاً من الحق الذي ينشده الجميع. المنظمات الدولية * في ظل النزاهة التي يتمتع بها صانع القرار السياسي في المملكة، وبالرغم من مبدأ الشفافية والانفتاح على الشعب، إلاّ أن سجلنا في حقوق الإنسان حسب المنظمات الدولية لا يرقى إلى واقعنا.. أين تكمن المشكلة؟ - المراقب لأوضاع حقوق الإنسان في المملكة لابد أن يلحظ الحرص الكبير من خادم الحرمين الشريفين منذ توليه الحكم والقيادة السعودية على تعزيز حقوق الأفراد وحماية حرياتهم، ويتأكد اهتمامه - حفظه الله - بحقوق الإنسان من خلال توجيهاته المستمرة للأجهزة الحكومية لمراعاة حقوق الأفراد، وتمكينهم منها والتحذير من التجاوز عليها والتعهد بمحاسبة أي مسؤول مهما علا منصبه، ولا شك أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً من اجل تعزيز حقوق الإنسان في البلاد هي جهود مقدرة ومرحب بها، ولكننا نتطلع إلى المزيد وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بتفعيل المراقبة في مرحلة التطبيق والممارسة، فلا يزال هذا الجانب يحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام. د. القحطاني متحدثاً للزميل راكان الدوسري «عدسة: فهد العامري» أما فيما يتعلق بموضوع موقف المنظمات الدولية من سجلنا في مجال حقوق الإنسان وأين تكمن المشكلة، فهذا أمر يطول شرحه فلدينا أخطاؤنا وينبغي أن نعترف بها ونعالجها، من خلال تطبيق الأنظمة والقوانين، وتعزيز استقلال القضاء، واحترام حقوق الجميع، والابتعاد بقدر الإمكان عن القرار الفردي غير المبني على النص أو الدراسة المعمقة لبيان سلبياته وايجابياته قبل اتخاذه أو تطبيقه، كما يجب علينا دراسة تقارير المنظمات الدولية الحقوقية التي تتناول الشأن السعودي وما كان منها صحيحاً اعترفنا به وعملنا على تصحيحه (ورحم الله امرئ أهدى لي عيوبي)، وإذا كانت غير صحيحة قلنا (هاتوا برهانكم)، ومع ذلك فهناك بعض الجهات التي تصدر تقارير حقوقية عن المملكة وتهدف من ورائها إلى تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية من دون أن تكون مبنية على حقائق في التطبيق العملي، أو تبنى تقاريرها على حالات فردية وتعممها وقد أثرنا مثل هذه التقارير مع بعض الوفود التي تزور الجمعية من هذه المنظمات أو الدول التي تصدرها. دور تكاملي * إلى أي حد يمكن أن يكون دور الجمعية وهيئة حقوق الإنسان تكاملي؟، وإلى أي حد يمكن أن يتعارض دورهما في قضية ما؟ - دور الجمعية والهيئة تكاملي ولديهم نفس الأهداف وتقارب في المفاهيم، ولكن هناك اختلاف في المرجعية والأسلوب أحياناً، وأمر التعارض بشان بعض القضايا أمر مستبعد، إلاّ أن ذلك لا يمنع من وجود بعض الاختلاف في وجهات النظر بشان بعض القضايا أو التقارير. تقاعس غير مبرر * تزامنت مع إنشاء الجمعية حالات من السلبية في بعض الجهات والتي اتخذت من جمعية حقوق الإنسان عذراً للتقاعس عن أداء مهامها.. فما هو تفسير أن تتصل امرأة لإنقاذها من ابنها المدمن، فترد الجهة المعنية: لا نستطيع أن نقبض عليه بسبب حقوق الإنسان.. هل لاحظتم مثل هذه الحالات؟ - مثل هذه الحالات قليلة وغياب الأدلة الإرشادية والآلية الواضحة للجهات المكلفة بتطبيق القانون أو تنفيذ النظام هي التي تساهم في وجود مثل هذه الحالات، وإلا فالتدخل في مثل هذه الحالة هو حماية لحقوق الإنسان، فكيف يقال لا نستطيع أن نقبض عليه بسبب حقوق الإنسان، كما انه قد يكون بحاجة للعلاج وليس للقبض فهل قامت الجهات المعنية بواجبها في توفير أماكن العلاج، ومساعدة الأسر التي تعاني من هذه المشاكل والتي رصدت الجمعية بعضها. ضوابط وقوانين * في سياق متصل..كيف تردون على من يقول أن الجمعية لم تمكّن الناس من حقوقهم كحق العلاج وحرية التعبير، وفي الوقت ذاته تمثّل الجمعية وسيلة ضغطٍ على الجهات الأخرى؟ - هناك ضوابط تحكم وقوانين وأنظمة تطبق وتنفذ: فكل حق له في النظام وسائل كفيله بحمايته، ومن هنا تبرز أهمية معرفة الإطار القانوني لحماية حقوق الإنسان في المملكة لتعدد مكوناته، فهو يشمل الحقوق التي أقرتها الشريعة الإسلامية، وكذلك الحقوق التي تضمنتها الاتفاقيات الدولية التي انضمت لها المملكة، بالإضافة إلى تلك الحقوق المقررة في الأنظمة الداخلية. وبالتالي ينبغي المطالبة بالتزام أي حق كفلته هذه الأطر الثلاثة، ومن واجبات الدولة إيجاد الوسائل الفعالة لحماية هذه الحقوق، ولا يجوز اخذ المطالبة بالتزام تطبيق الأنظمة واحترام حقوق الإنسان حجة للتهرب من القيام بالواجب والمحافظة على الأمن الذي يعد في مقدمة حقوق الإنسان، والجمعية تأمل أن يتم تطبيق الأنظمة وتنفيذها وفي نفس الوقت تحترم حقوق الإنسان. حقوق العمالة * تتحدث وسائل الإعلام عن حقوق العمالة في المملكة.. ماذا عن حقوق المواطنين حين يتعاقدون مع عمال ويدفعون الرسوم ويتحملون المسؤوليات، ثم يهرب العامل أو العاملة من أجل البحث عن دخل أعلى بصورة غير قانونية؟ - لا بد من تغيير نظام الكفالة وتعديل بعض المواد في نظام العمل التي تلزم المواطن أو رب العمل بدفع الرسوم الإدارية المتوجبة على العامل، وإلزام العامل بدفعها وقصر العلاقة بين رب العمل والعامل على عقد العمل، وترك موضوع الإقامة وشروطها وتجديدها والأمور الأخرى بين الدولة والعامل من اجل إصلاح العلاقة بين الطرفين والمحافظة على حقوقهما. هيئة مكافحة الفساد * كيف تنظرون في الجمعية إلى إنشاء هيئة مكافحة الفساد؟ - نعلق على هذه الهيئة كثيرا من الآمال وندعو إلى تفعيل نشاطها، وإن كنا نأمل أن تنظيمها يضمن صلاحيات أكثر؛ لأننا نخشى أن يجد مسؤولي الهيئة كثير من العراقيل والبيروقراطية التي قد تعيقها تحقيق أهدافها. معوقات العمل * ما أبرز معوقات أداء الجهات الحقوقية في المملكة؟ - هناك بعض العراقيل ومنها: - غياب التصور لأهمية احترام حقوق الإنسان وقدرته على تغيير سلوك المجتمعات وتطورها. - ضعف الثقافة الحقوقية بين المواطن والمسؤول. -ضعف الكفاءة الإدارية والإنتاجية لدى نسبة كبيرة من موظفي الدولة؛ مما يحرم كثيرا من حقوقهم أو يؤخر حصولهم عليها.