لم أنو الكتابة عن القضية التي رفعتها الأستاذة سلوى العضيدان ضد الدكتور الشيخ عائض القرني متهمة إياه بسطوه على أجزاء كبيرة من كتابها "هكذا هزموا اليأس" وضمها إلى كتابه "لا تيأس"، السبب في ذلك أن الموضوع أصبح ممجوجاً من كثرة ماكتب عنه، خاصة أننا لو عزلناه عن جماهيرية الشيخ القرني فإنه أمر جداً عادي. رغم ذلك أكتب عنه الآن بعد أن وجدت فيما كتب، تعدياً على أبجديات المعايير العلمية. وهدفي من ذلك حماية الناشئة خاصة طلبة الجامعات حتى لا يتأثروا بما فيه من جدل، فيحسبوه حواراً بينما هو في الواقع (فزعة) على حساب العلم. أنا هنا لا أنتقد الدكتور القرني ولا أدافع عن الكاتبة سلوى العضيدان، لذلك لن أتناول مضامين الكتابين موضوع القضية بل سأتناول فقط التبريرات التي جاءت بعدها. فقد وجدتها مسيئة لمبدأ العدل في قول الحق الذي يدعو به ديننا الحنيف الذي هو أحق أن نتبعه بدافع ديني. وحتى أكون عادلاً أقول إن الشتم والغمز من مؤيدي الطرفين أصابا القرني والعضيدان بكلمات أقل ما يقال عنها إنها بعيدة عن أخلاق الإسلام. أي متابع يقرأ هذه التبريرات سوف يحكم بأنها غير علمية وربما يستنتج منها تفسيراً لظاهرة النسخ واللصق التي يلجأ إليها طلاب جامعيون من محرك البحث (قوقل) لكتابة بحوثهم، اعتقادا منهم أنه أمر مقبول، لأن البيئة من حولهم تقول لهم إن التأليف ماهو إلا (تجميع)، فإذا تم أخذه من شيء مشاع فلا يحاسب فاعله. في هذا السياق أستعرض مجموعتين من هذه التبريرات: المجموعة الأولى تحمل غرابة واضحة تؤدي إلى تشجيع السطو العلمي من خلال ثلاثة تبريرات واهية وهي: يعتمد الحكم على سرقة المؤلفات على العرف، فما تعتبره بعض الأعراف سرقة, لا تعتبره أعراف أخرى سرقة، وأن تناول مضمون شائع لا يعد سرقة، بل يعد أمراً متداولاً، لأنه جزء من ثقافة حرية النقل المتفشية في المجتمع. أما المجموعة الثانية من التبريرات فتقدم للمتورطين آلية الخروج من حرج السرقة، فمنها على سبيل المثال: الادعاء أن سكرتيرك هو الذي قام ب (لزق) المادة المسروقة إلى متن كتابك. أو تدعي أن غيرك من كبار المؤلفين الأموات فعلوا ذلك ويمكنك تدعيم هذه الحجة بالادعاء أنك قوي تستطيع أن تؤلف كتاباً شفاهة في جلسة واحدة ولا تحتاج إلى سرقة أفكار الغير. الخلاصة أن هذه التبريرات تعكس ممارسة ممجوجة يسكت عنها المجتمع، ولذلك من السهولة أن نرى من يلخص ثلاثة كتب ومن يجمع أفكار الآخرين، قد أصبح في زمرة المؤلفين حتى من يسطو على شرائح أي دورة تدريبية يصبح (عميداً) للمدربين. وهذا يؤكد حقيقة ضعف أجواء البيئة العلمية التي سوف تزداد تلبداً كلما أطلق الناس تبريرات على سبيل الفزعة. وأنا هنا أحيل القارئ إلى مقال كتبه الدكتور سعيد صيني في أحد المنتديات شدني إليه اقتراحه لوزارة الثقافة والإعلام للصلح بينهما وإعادة النظر في الحكم ، لتصحيح المفهوم الشائع الخاطئ لحرية النقل من المؤلفات. وأنا هنا أتفق معه أن الصلح مطلوب، لكن في نفس الوقت علينا أن نرسخ أبجديات المعايير العلمية، ذلك أنه ليس بوسع أي جهة أن تجيز الاقتباس دون ذكر مصادره، لأنه يخرج عن الأمانة التي أوصانا بها الدين قبل العلم.