لو لم تنجز هيئة مكافحة الفساد في بداية مشوارها سوى الموضوع الذي أعلنت عنه مؤخرا فإنها تكون قد حققت إنجازا مهما لصالح الوطن يستطيع أن يحد من بقية أشكال الفساد الأخرى.. أكدت الهيئة أنها ستطبق مبدأ الذمة المالية لموظفي الدولة الذين يتولون اتخاذ قرارات ذات تأثير على المال العام، وأنه ستتم مساءلة كل من لديه زيادة غير مبررة في ممتلكاته البنكية والعقارية، وقد تم الرفع بضوابط هذا المشروع إلى مقام خادم الحرمين الشريفين لإقرارها.. بمعنى آخر، ستطبق الهيئة مبدأ «من أين لك هذا»، الذي طالبنا كثيرا بتطبيقه، وحلمنا بتفعيله، ولو كنا طبقناه وفعلناه منذ زمن لاستطعنا نزع كثير من أنياب الفساد الحادة القاطعة، وحمينا المال العام من النهب والسلب المنظم الذي يمارسه أصحاب الضمائر الملوثة، ويستمتعون به أمام الملأ دون خوف من عقاب أو مساءلة.. شيء عجيب جدا أن يتبوأ شخص مسؤولية عامة والمجتمع يعرف أنه «كحيان» لا دخل له سوى من وظيفته، ويعد فترة قد لا تطول تبدأ مظاهر الثراء تحيط به من كل جانب، وتتغير حياته جذريا، وإذا حاول أحد الاستفسار عن هذا الانقلاب في حياته، لا يسمع منه غير جملة واحدة «هذا من فضل ربي»، ومن شاء ألا يصدق فليشرب من البحر لأنه لا يوجد نظام يتحقق من هذا الوضع الغريب ويسبر أغواره، ويحاسب من ينطبق عليه.. السماء لا تمطر ذهبا أو فضة بين عشية وضحاها، والرزق الحلال لا يأتي إلا بأسباب مشروعة ومعروفة، وفضل الله يتطلب العمل الشريف ويأتي بالتدرج المنطقي، ولكن حين ينقلب حال الموظف المتواضع إلى حال آخر بطرق غير مشروعة بعد دخوله الوظيفة فذلك من فضل الشيطان وليس من فضل الله، وطالما مثل هذه النماذج متصالحة مع الشيطان دون مساءلة ومحاسبة وعقاب فإن شعار «هذا من فضل ربي» يصبح شماعة لكل الفاسدين.. كشف الذمة المالية يجب أن يطبق في أسرع وقت على كل الذين يباشرون المال العام، ومبدأ من أين لك هذا يجب أن يسري على كل مسؤول مريب أمره، دون استثناء، والعقاب والتشهير يجب أن يكون علنيا ليرتدع البقية من أصدقاء الشيطان.. الحقينا يا هيئة مكافحة الفساد..