المقالة القصيرة فن، أعشق قراءتها وأحب كتابتها. وعندما «تحدّني» الظروف على كتابة مقالة طويلة أمتعض وأتكدّر ثم أعيد قراءتها مرة أخرى لعلي أستطيع اختصارها وتشذيبها، عكس الذين يفرحون ويفخرون بمقالاتهم الطويلة / المطيطة! لديّ قناعة قديمة، لم تتزحزح عني حتى الآن، مفادها: كلما زاد عدد كلمات المقالة تناقص عدد قرائها، والعكس بالعكس. نبتت هذه القناعة لديّ منذ أن بدأت الكتابة قبل ثلاثة عقود، ثم تكرّست حين كنت أكتب الزاوية (101) في مجلة «المعرفة»، وقد كنت قادراً حينها أن أحتل المساحة التي أشتهي من أرض «المعرفة»! حين بدأت الكتابة في صحيفة «الوطن» السعودية كان يأتيني التوبيخ من محرر صفحة الرأي هكذا: «أرجوك ركز معنا... أنت كاتب مقال ولست كاتب عمود، ال200 كلمة ما تخارج معنا»! وأصبحت عندما تنتهي فكرتي في المقال عند 200 كلمة ألتُّ وأعجن وألفّ وأدور حتى أصل إلى 600 كلمة... الحدّ الأدنى للقبول! في صحيفة «الحياة» وجدت مخرجاً أو مدخلاً للالتفاف على «النظام»، فأنا كاتب في صفحة الرأي... لكن في عمود، وهنا صرت أراوح بين «قوانين» المقال والعمود، ولم يكن هذا ليمر مرور الكرام على مسؤول صفحة الرأي الذي كان أيضاً «يوبخني» على مقالات ال 200 و 300 كلمة، فكنت أرضيه بين حين وآخر بمقال من 800 أو 1000 كلمة، وأقول له بأن هذا تعويض عن «العجز» في ما سبق! الآن، ترسخت قناعتي بنهج «المقالة القصيرة» أكثر فأكثر بعد أن دخلنا عالم (تويتر) وأصبح الواحد منا يكتب مقالته/فكرته في مساحة لا تتجاوز 140 حرفاً أي في أقل من 20 كلمة. إذا هيمنت قيم «تويتر» على وسائط الإعلام سيصبح حتى مقال المئتي كلمة تمطيطاً وإسهاباً لا يجذب سوى القليل من القراء الذين ألفوا مقال العشرين كلمة، أما مقال الألفي كلمة فسيغدو كارثة تُقرأ من لدن الكاتب والمحرر فقط! أخيراً، وبعد قرون طويلة من الانتظار ستتحقق بفضل «تويتر» المقولة العربية الخالدة «مع وقف التنفيذ»: خير الكلام ما قلّ ودلّ. * كاتب سعودي.