ثمة نزعة لدى بعض متثاقفي العرب للنظر إلى الخليجي بحسبانه فقط ""برميل نفط"" وإلا فهو متصحر الوعي، فقير الفكر والعلم، ضعيف الموهبة والمهارة.. هكذا رجماً بالتحامل عليه جزافاً واعتسافاً في ارتهان لشعارات أيديولوجية بائدة ثابرت على إثارة الغبار لتحجب بها عين الشمس، فما ادلهمّ غير عقولهم، ولا تخبَّط في حمأة التخلف غير بلدانهم حين ورّطتهم ""نفختهم"" والإحساس الزائف بالتفوق على ""الأعراب"" في لعنة إهدار خيرات أوطانهم وكرامات شعوبهم بالتطاحن الدموي الطائفي أو الحزبي أو العسكري. ما كان الخليج العربي كبلدانهم أرضاً تمخرها أنهارٌ أو تغمرها ثلوجٌ وأمطارٌ.. ولا كانت جنات من فواكه وأعناب.. ولا حردنا عليهم وهم يلبسون الدمقس والحرير؛ ونحن نلبس الخام والإزار، ولا وهم يرطنون بالفرنجية؛ ونحن ب""الهجيني""، ولا وهم في المركبات؛ ونحن على ظهور الدواب، ولا جحدنا فضل الخيّرين منهم في بواكير تعليمنا أو أعرضنا عنهم حين فتح الله علينا؛ وإنما فتحنا للجميع صدورنا.. فعلامَ هذه النفخة؟! عاش الخليجي عفيفاً يغتنم موسم ربيع جادت به زخة غيمة سكوب.. وتلمظ ما جادت به نخيلاته من تمر.. وجمع الكلأ والكمأ والأقِط، مثلما رمى شباكه لصيد البحر أو غطس بين الحياة والموت بحثاً عن حبيبات لؤلؤ يُضيء بموردها ليل عسره.. طاف بلاد الهند والسند أجيراً لرزق حلال ولم ينج من مستعمر حطّ ركابه عند مضارب خيمته حين شمّ رائحة النفط أو راق له أن يطلق منها سهامه على مستعمر مثله. زمن العسر ولى.. ومع تباشير اليُسر فتح الخليجي قمقم شكيمة صبره واحتماله.. فنهل المعرفة وشمّر إلى العمل، توهج الخليج في تحولات تنموية صبّ فيها الخليجي ثروة نفطه في عروق بلاده، فيما جعل حمقاهم الأشاوس ثروة بلدانهم حريقاً ودماً!! أفئن أصبح الخليج تنمية تُغرِّد بالخبرة والإنجاز في إنسانها وفي ثراها.. وصار ذلك (الأعرابي) زاخر التحضر، شريك الحداثة، خدين العصرية.. وتوالدت بين ظهرانيه جامعاتٌ ومصانع ومعامل ولعلعت أعياد الاستثمار تدير الرؤوس .. أفئن أصبح الأمر هكذا.. يصرُّ هؤلاء المتثاقفون على بخسنا المقام والتقدير بالقسمة الضيزى وعلى إسباغ نفخة الخيلاء المحلقة لهم .. دون أن يفوتنا أنها نفخة أشبه ببالون مملوء بغاز ثاني أكسيد الكربون .. ليس إلا!! لست أزكي قومي بأنهم (من زاحموا بالمنكب الشهبا) - كما قال عمر أبو ريشة - ولست أغالط في عثراتنا وفي سلبياتنا.. كما أني لست في مقام المرافعة النرجسية على طريقة جدنا المتنبي في أننا ""خير من تسعى به قدم!!"" لكن قدراً وقحاً من ذلاقة اللسان تزعق به بعض الفضائيات وقدراً مثله من غثاء الكتابة تقترفه بعض الصحف يجعلني أتعجب من إدمان هؤلاء مهنة قذف الحجارة في وجه الخليجي، كما يفعل مخبولٌ بعابري السبيل!! إن ردح أولئك المتثاقفين ضدّ ""الخلجنة""، كما لو أنها وصمة أو سبة، غطى على بصائرهم المأزومة عن رؤية كيف أن ""الخلجنة"" حرقت المراحل"" من بيوت الطين والشعر إلى الفلل وناطحات السحاب، من الدهاليز والأزقة إلى الشوارع الأنيقة والطرق السريعة، من ""الكتاتيب"" إلى ألوف المدارس وعشرات الجامعات، من مغترب لدريهمات إلى مستثمر في بنوك ومؤسسات وخدمات وإنتاج، من معزول قصي عن الدنيا إلى غادين من أقاصي الدنيا رائحين إليه .. يقف معهم الند للند في احترام الذات وحوار العلم والعمل لا يعاني عقدة ماضيه الشحيح ولا يكابر فيما حدث له ولبلاده من إنجاز صريح.. ""خلجنة لا تخنق اليُسر بالعسر مثلما يخنق هؤلاء العصر بالقهر، وليبقى الخليج قافلة تسير.. لا يعير انتباهه للنباح!!