ليس شرطا أن يتواجد تنظيم القاعدة في مكان ما لنعرف خطورته، يكفي أن نشهد فكره هنا أو هناك، وهو ما لاحظناه واضحا من خلال إطلالته علينا عن طريق بوابة القطيف، فما كان يفعله عناصر ""القاعدة"" الإرهابيون، قبل أن تقص أجنحة التنظيم في السعودية، يطل علينا من جديد، عبر مفاجأة عناصر الأمن، بإطلاق النار عليهم تارة، وبرمي زجاجات المولوتوف تارة أخرى، ومن يدري ربما يتبنى هؤلاء الإرهابيون قريبا فكر العمليات الانتحارية أيضا، طالما أنهم يجدون من يبرر لهم أعمالهم. فخلال نحو أيام قليلة شهدت القطيف أربعة حوادث متماثلة في الأسلوب والتنفيذ، تذكرنا بأسلوب وتنفيذ ""القاعدة""، كان ضحيتها دوريات أمن، ثلاث منها أطلق عليهم النار من قبل ""مجهولين ملثمين""، في حين رميت الدورية الرابعة بزجاجة مولوتوف، مما أدى لاشتعال النار فيها، ومع كل هذا الاستهداف الذي يتعرض له رجال الأمن، لا يزال هناك من يشكك ويراوغ، في مسألة وجود إرهابيون يعيثون في المدينة فسادا. الغريب فيما يفعله الإرهابيون في القطيف، أنه يحظى بغطاء غير مباشر من بعض الشخصيات المعروفة في المجتمع، وهذه الحالة تواجه الشارع السعودي للمرة الأولى عند مواجهته مثل هذه الأحداث الإجرامية، فمنذ العمل الإرهابي لجهيمان وزمرته، وانتهاء بمحاولات ""القاعدة""، كان العنوان العريض لهذه المواجهات مع الدولة، أنها خط أحمر لا يقبل المجتمع بها، ولا يبحث أيا من شرائحه عن أعذار لهذا الطرف أو ذاك، فما الذي تغير هذه المرة؟ يمكن القول إن عدم تسمية الأسماء بأسمائها، كان له الدور الأبرز لبلوغنا هذه الحالة غير المسبوقة من التبرير غير البريء، فهناك من يضع هذه الأفعال في خانة ""التعبير عن الرأي""، وآخرون يرونها ""تنفيسا عن الاحتقان""، ومجموعة ثالثة تهوِّن منها باعتبارها وسيلة ل ""رفع التمييز الطائفي""، وهكذا حتى زين للإرهابيين ما كانوا يفعلون، ومن أجل أن نكون أكثر صراحة، تبدلت المفاهيم، وانعكست المبادئ، وأصبح من يضع يده على الجرح محاولا إيقاف النزيف، يتهم بأنه طائفي، وهو ما جعل كثيرا ممن يعول عليهم في تبيان الحقائق، للأسف، يعزفون عن قيامهم بدورهم، أو ما يفترض أنه دورهم. ما يحدث من مواجهات أمنية في القطيف، على ندرتها، أمر مثير للقلق، فالخطورة ليست فقط فيمن يحمل السلاح بشكل قانوني ويروع به الآمنين، بل كل الخطورة في أولئك الذين استمرأوا البقاء في الركن البعيد الهادئ بعيدا عن اتخاذ موقف وطني هو واجب عليهم وليس ترفا، ولكل هؤلاء نقول: مسك العصا من الوسط لا ينفع في القضايا المصيرية. بقى أن نشير إلى أن ما بين إعلان ""الداخلية"" أول قائمة لإرهابيي القاعدة ال 19 عام 2003، وقائمة ال 23 المطلوبين في أحداث الفوضى وشغب القطيف، أصدرت السلطات السعودية العديد من القوائم، كان المشترك الرئيس فيها أن الإرهاب لا توصم به طائفة بعينها، وكما اقتلع إرهاب القاعدة من جذوره، سيقتلع كل إرهاب سواه. إرهاب القطيف شوكة ستنزع من خاصرة الوطن، ولن يفرح بها الشامتون طويلا.