الحب والخشية قد لا يلتقيان، إلا أنهما الخصلتان اللتان يوصف بهما وزير المالية السويدي أندش بوري. هذا رجل خطف الأضواء ولا يزال. تتهافت الصحافة العالمية للقائه. زملاؤه الأوروبيون وهم غائصون حتى الركب في أزمة مالية طاحنة يقولون إنهم يحبونه ولكنهم يخشونه. ليس سرا القول إن أوروبا - دول الاتحاد الأوروبي ولا سيما التي تتخذ اليورو عملة - تمر بأزمة مالية خانقة لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية أي قبل أكثر من سبعة عقود. وأنظار وزراء المال والاقتصاد متجهة صوب السويد ووزير مالها أندش بوري الذي انتخبته صحيفة "فايننشيال تايمز"، الصحيفة الرائدة في شؤون المال والاقتصاد في العالم، أفضل وزير مالية في أوروبا. أندش لا يخشى أحدا لأنه ليس لديه ما يخفيه إلى درجة أن السويد تتربع في عهده الزاهر على رأس قائمة أكثر الدول شفافية في العالم. آخر مرة شاهدته كان في لقاء تلفزيوني فيه جمع العنفوان والثقة بالنفس والتواضع مع صراحة مطلقة - والخصلة الأخيرة هي أكثر ما يخشاه زملاؤه الأوروبيون. أمام الكاميرات هاجم وزراء المال والاقتصاد في الاتحاد الأوروبي. لماذا؟ لأنهم وجهوا دعوة أخرى له لاجتماع مهم. "ما أهمية هذه الاجتماعات إن جلسنا وثرثرنا ولم نتخذ قرارات حاسمة تتطلبها مرحلة حرجة؟!". تصريح قاس ولكنه صريح، والصراحة قد تكون مؤلمة جدا في بعض الأحيان. ما الذي فعله كي تكون له سطوة كهذه؟ لنرجع إلى مجلة "الإيكونوميست" وما كتبته في آخر تحليل لها عن الاقتصاد السويدي والبحبوحة المالية التي يعيشها السويديون. وصفت "الإيكونوميست" السويد ب "نجمة الشمال" (بالنسبة إلى موقعها الجغرافي في شمال أوروبا) التي تتلألأ، بينما أغلبية الدول الأوروبية الأخرى تترنح. وضعت هذه المجلة الموثقة والذائعة الصيت التطور التكنولوجي والعلمي في السويد في مصاف ألمانيا وقالت إن عام 2011 الفائت كان عام الازدهار والرقي، حيث وصلت نسبة النمو إلى 6.4 في المائة في النصف الأول منه، والدين العام أقل من 40 في المائة من الإنتاج القومي الإجمالي وفائض كبير في الميزانية. وعندما ينمو بلد فائق التطور مثل السويد بنسبة 6.4 في المائة هذا لا يعني شق طرق جديدة وبناء سكك حديدية ومدارس وشقق سكنية ومستشفيات وجامعات ومواصلات وغيرها من أسس البنية التحتية التي ما زالت تفتقدها دول العالم الثالث مثلا. بنى اقتصادية كهذه اقتنتها السويد قبل عقود وبمستويات تحسدها عليها أكثر الدول تطورا. النمو في السويد يحدث في حلقات علمية وتكنولوجية أغلبها لم تخطر بعد على البال في حقول الكهرباء والطب والسلاح والبيئة والطاقة وصناعة العدد والأدوات والمكائن وتكنولوجيا الاتصالات، حيث يملك الآن كل تلميذ سويدي جهاز حاسوب شخصيا يستطيع من خلاله الدخول إلى أي مكتبة في السويد. المال الذي جمعه أندش بوري يصرفه زملاؤه في أبواب يأملون من خلالها أن تبقى السويد ليس دولة متطورة وحسب بل دولة عدالة اجتماعية أيضا من خلال برامج الدولة السخية الخاصة بالضمان الاجتماعي. وهل تعلمون أين يعيش أندش هذا رغم إنجازاته وشهرته؟ يمضي أيام الأسبوع (الإثنين حتى الجمعة) في شقة في ستوكهولم مساحتها 31 مترا مربعا ويخدم نفسه بنفسه. وفي عطلة الأسبوع (السبت والأحد) يسافر إلى بيته في مدينة أخرى للقاء زوجته وأولاده الثلاثة. وبما أن زوجته تعمل مدرّسة ثانوية مهنية، فإنه يساعدها على غسل الملابس وتنظيف البيت أثناء وجوده مع عائلته. فكرة "الخادمة أو الخادم" غير مقبولة على الإطلاق في المجتمع السويدي الذي يضع ضمن أهدافه وأولوياته العدالة الاجتماعية. وإلى اللقاء،،،،