كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص كل الحرص على سؤال الله حب المساكين، فمن السهولة بمكان أن يحبك الأقوياء ما دمت تحترف الثناء عليهم ولا تتصادم معهم أو تكون نداً لهم، لكن الضعفاء والمساكين قلوبهم تحب فقط من يرحمهم لله، لذا كان سؤال النبي هذا الحب، فهنيئاً لكل من ظفر به. وفي واقعنا الحاضر قلة هم مَن اتفق الناس على محبتهم والشهادة بعطائهم الإنساني دون طمع في وجاهة أو منصب أو دنيا، وأهمهم في نظري هو الشيخ عبدالرحمن السميط، أو المطوع كما كان يلقبه أهل "الفريج" لما رأوا ما عليه من حال، حيث عرف عنه حب الصلاة منذ كان في السادسة، وعندما أصبح صبياً عرف عنه جمع التبرعات للفقراء من العمال، ووصل به الأمر إلى توصيلهم بسيارته لأعمالهم، وفي الوقت ذاته كان الفتى محباً وهاوياً للقراءة؛ ليكون ذلك المزيج من الشاب التقي والطبيب المثقف. لم يكن السميط منظّراً ككثيرين ممن يجيدون الخطابة لا العمل، فترك تصرفاته وسلوكه يخبراننا عما يبطن من تدين إنساني، فقضى 28 عاماً يعمل في علاج أجساد وأرواح الأفريقيين، فدخل في الإسلام على يديه 11 مليوناً، وعالج ومؤسساته الخيرية أضعافاً مضاعفة. اليوم وهو يرقد على السرير الأبيض هناك ملايين من الذين لا يمتّون إليه بصلة قربى ولم يعرفوه شخصياً، لكنهم يرسلون له في صلواتهم أن يحفظه الله عز وجل وأن يمده بقوته ويختار له ما فيه خير له. أتساءل: كم ربح السميط من المحبة بسبب صدقه ورحمته بالضعفاء؟ أتساءل: كم شخصاً منا يود أن يكون مثله ويكسب حب المساكين والضعفاء لتحوطنا قلوبهم كما تحوط السميط الآن؟ في الواقع، هناك كثيرون ممن يعملون في مجال الخير، ولكن الإعلام مشغول عنهم، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى أن نتعرف عليهم، ليس فقط لنساعدهم بل ليجد الشباب قدوات يقتدون بها، ومن ذلك جمعية شفاء التي علمت عنها أنا بالصدفة، وهي جمعية تحاول الآن إنشاء مستشفى مجاني في مكة للفقراء الذين يعانون من الأمراض المستعصية، وتشرف على الشطر النسائي فيها الدكتورة منيرة العكاس، وتخبر هي عن جمعيتها بأنها افتتحت عشرات العيادات المجانية داخل المملكة التي يتوافد عليها الفقراء ليجدوا الكشف والدواء مجاناً. قد يقول البعض إنه لا بد من الحرص على عدم الإعلان عن العمل الخيري، لكننا في عصر قل فيه المعروف حتى ظننا أن لا أحد يعمله؛ لذا وجب نشر مثل هذه الأعمال ليقلدها كل من في داخله بذرة الإحسان والعطف، ولا تبقى مخبأة، وخصوصاً أمام أطفالنا، لأن ما نفعله اليوم سيفعلونه غداً، فمن الأفضل أن يروا الصالح والطيب من فعلنا. تخبرني الصديقة هدى عبدالغفور أمين أنها كانت تزور جنوبلندن صدفة، فوجدت مسجداً يحمل اسم والدها المتوفى، فسألت ليخبروها بأنه بناه منذ سنين دون علمهم، تقول: فصرت أبحث عن أعماله، وأتمنى لو أخبرني، وأتساءل: لو ظللت أجهل حتى اليوم أفعال أبي لربما لم يشغلني العمل الخيري. لا شك في أن السميط والدكتورة منيرة والسيد عبدالغفور أمين قدوات لنا تدعونا لأن نفعل للخير شيئاً، وما نقص مال من صدقة قط.