من يقرأ ما يكتب أو يستمع إلى ما يقال، إثر احتلال الإسلاميين مواقع السلطة في بعض البلاد العربية، يمكنه أن يلحظ بوضوح هذا الانقباض الذي علا بعض النبرات وارتسم على النظرات لوصول الإسلاميين إلى ذلك الموقع. وبلغ من كراهية البعض لهذه النتيجة التي جاءت حسب ما أقرته الديموقراطية التي يتغنى بها كثيرون، أن أخذوا يتداولون بينهم نشر التحليلات المفسرة لهذا الفوز ولم حدث. من أغرب ما قرأت من التحليلات تحليلا يقول إن هذا الفوز حدث بدعم غربي؛ لأن هناك مخططا خارجيا يعمل على إحلال الإسلام السياسي محل الأنظمة الحاكمة البائدة، وهو يفعل ذلك ليس لأن الإسلام السياسي سيكون أقرب إلى الغرب وأشد تحالفا معه من الأنظمة البائدة، وإنما لأن الإسلام السياسي سيعمل على إبقاء المنطقة في حال ركود نمائي وانغلاق وعزلة عن العالم المتحضر، ولأنه أيضا سينشغل بنشر أيديولوجيته في المنطقة فيكون ذلك سببا في خلق مزيد من الخلافات والانقسامات والتفكك، وهذا كله يصب في مصلحة الغرب وهو ما تريده تلك القوى الخارجية، فالتخلف والفتن والتفكك الذي يتوقع أن يعم المنطقة على يد الإسلاميين، يسهل عليها التغلغل أكثر في البلاد العربية من أجل تعبيد الطريق أمام إسرائيل نحو مزيد من التوسع والاستيلاء على الأراضي العربية. في السابق كان الإسلاميون يتهمون من يريدون إسقاطه من الحكام بأنه عميل غربي، الآن صاروا هم المتهمون بأنهم ربائب الغرب يستغلهم لمصالحه وهم غافلون!! على أية حال، إن السؤال الجدير بأن يطرح هنا، هو ما الذي يجعل البعض يتوقعون أن الإسلاميين سيحيلون المنطقة إلى منطقة متخلفة ومملوءة بالخلافات والمشاحنات والفرقة؟ ليس ثمة إجابة سوى أن تلك التوقعات قد تكون مبنية على خبرات سابقة من تجارب مشابهة، كالنماذج الطالبانية وأمثالها مع تفاوت الدرجة في شدة العزلة والتخلف. إن الاسلاميين يمرون اليوم بفترة تجربة حاسمة، إما أن يثبتوا خلالها صحة الطريق الذي يسيرون فيه، فيتزايد عدد المؤمنين بهم، وإما أن يكونوا فعلا كما توقع منهم المبغضون أداة تعمل على النكوص ببلادهم وإضعافها، فيفقدون ثقة الناس وقد تكون هي نهايتهم.