عنوان هذه المقالة ينطوي على شيء من المبالغة، لأنه ليس من المعقول أن نطالب مثلاً بمعرفة عدد الديناصورات التي نفقت قبل مليون سنة والتي أصبحت خلاصتها نفطاً يروي ظمأ الصحراء للمال والماء في هذا العصر السعيد الذي أخرجت فيه الأرض كنوزها وأثقالها. ولكن من المؤكد أن كلمة (شفافية) ستشعر بالإهانة الكبيرة إذا استخدمناها في سياق الحديث عن الإفصاح عن حجم رسوم البلديات وغرامات مُخالفات المرور، في الوقت الذي نُحيط فيه خلاصة الديناصورات بستارة قاتمة من الغموض بالرغم من أننا ندين لها بتسعين بالمائة من رفاهيتنا ونعتمد بعد الله عليها في المحافظة على مستوى معيشتنا وفي استقرار مستقبلنا وإشراقه. لن تمتلئ كلمة (الشفافية) بمعناها النبيل قبل أن يجري نشر عدد براميل النفط التي تستخرج من أرضنا يومياً، وسعر بيعها، والمبلغ الذي تحتفظ به أرامكو مُقابل تكاليف التنقيب عن النفط واستخراجه، والمبلغ الذي يودع في حساب وزارة المالية. أما الوسيلة الفعالة لتحقيق متطلبات هذه الشفافية فهي، في رأيي، فصل نشاط التسويق في أرامكو بشركة مستقلة، تنشر بياناتها بصفة شهرية، مع قصر نشاط أرامكو على أعمال التنقيب والاستخراج. بذلك سيتضح للمواطن الدخل الفعلي للدولة من النفط بدلاً من التخمين الذي قد يتجاوز هامش الخطأ فيه مئات البلايين، وبذلك أيضاً ستنكشف درجة كفاءة أرامكو الإدارية مقارنة بالشركات الأُخرى في المنطقة. وسيتضح للمشككين في هذه الكفاءة أن الصعوبات التي تمر بها شركة بترورابغ (وهي أول تجربة لأرامكو تتعرض فيها لمنافسة حقيقية مع القطاع الخاص) لا تعود إلى نمط أرامكو الإداري الذي يحسب حساباً لكل صغيرة وكبيرة ما عدا ترشيد تكاليف النفقات.