يبدو أن سقف المباحات لدى هيئة الأمر بالمعروف أخذ في الهبوط مثل أسعار البورصة، فبعد أن كانت تلاحق الشباب الذي يغازل ويقص شعره «قزع» أو يطيله، ويمنعهم من دخول الأسواق، وتلزم النساء بوضع العباءات على الرأس كشكل وحيد للحجاب، قامت بمداهمة مهرجان تسويقي عائلي في أحد الأسواق في الخرج، يضع أصحابه أناشيد بمؤثرات صوتية ليس فيه وتراً ولا حتى طبلة، وطلب منه عضو الهيئة تغييرها بحجة أنها معازف محرمة، بل وطلب منه أن يضع مادة تثقيفية تخص الهيئة. لم يقنع الهيئة شرح مذيع الحفل بأنه هو يحرم المعازف على نفسه، ولا يسمح إلا بسماع أناشيد كتلك التي وضعها الحفل، لكن الهيئة إذا دخلت مكاناً لا تخرج ويدها «فاضية»، لهذا سحبت مذيع الحفل وزميله وجرّتهما جراً، ويقول أحدهما متحدثاً لصحيفة «سبق» أنها حتى لم تمكنه وهي تجره من أخذ جواله ومفاتيح سيارته، وأن الناس الذين صوّروا المشهد منعوا وكسروا كاميرا المصور الإعلامي. تفاصيل كثيرة، أهمها قول مذيع الحفل الذي ألقي القبض عليه ما إن وصلنا للمركز حتى بادر أحد أعضاء الهيئة بفتح الباب والقول «أنت ما تمشي حتى ندق خشمك»، ثم أعاد إغلاق الباب، وبقينا في الجيب أنا ورفيقي لأكثر من ساعة ونصف الساعة، ليعودوا مجدداً ثم يفتحون باب السيارة ويبلغوننا بالقول: «خلاص امشوا!! قلنا وين؟ قال انتهى الموضوع، فرددت عليه كيف انتهى بهذه البساطة؟ فقال: كنت بمشيك بالنظام الرسمي، ولكن جاءني أمر من فوق بإطلاق سراحكما». ما شدّني في الخبر هو أن الهيئة صارت تعمل بمبدأ نادي النصر الذي يقول: «ماصديقنا إلا أنا»، ولم تتعظ من المستوى الذي وصل إليه هذا النادي حين اتبع مبدأ «ماصديقنا إلا أنا»، وأن هذا النهج لا يؤدي إلا إلى حالة من العزلة تجعل حتى أصدقاءك ينفرون منك، فالناس الذين داهمتهم هيئة الخرج في الحفل هم من أصدقائها ضمنياً، فهم خريجو تحفيظ قرآن، ويلتزمون ضمنياً بمقاييس إسلامية ذات فقه متشدد لا يبيح الموسيقى، لكنها خسرتهم وضاق المشهد بالهيئة حين ضاقت مساحة الحلال عندها. ماذا لو أن مجلة أجنبية كما فعلت مجلة العلوم الأميركية «ساينس» نشرت هذا الخبر وليست صحيفة «سبق» المحلية الإلكترونية، هل سيدعى لاجتماع مغلق ومفاهمات سرية ولجنة تقصي حقائق؟ وهل صحيح ما قاله رجل الهيئة أن النظام الرسمي يسمح بمداهمة نشاط في سوق عام بتهمة الأناشيد، وأن من أفرج عنهم هي «الأوامر من فوق» وليست براءتهم؟ مفهوم المنكر أصبح اليوم هو ما تُعرفه هيئة الأمر بالمعروف، على كثر تعريفاتها وتنوعات تشددها، وليس ما تعرفه أنظمة الدولة التي تسمح بترك المسائل الفقهية الخلافية لخيارات الناس، كما أن الموسيقى يبثها التلفزيون والإذاعة المحليان، ويفتتح بها مهرجان التراث والثقافة في الجنادرية احتفاله الرسمي، وهؤلاء المساكين لم يرقوا إلى وضع موسيقى بل أناشيد وإيقاع لا وتر فيه ولا حتى طبلة، لكن يبدو أن الهيئة حسمت أمرها وأعلنت أن «ماصديقنا إلا أنا».