نشرت بعض وسائل الإعلام خبراً عن اعتقال أفراد من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة الخرج أحد المنظمين لمهرجان ترفيهي في أحد الأسواق بالمحافظة، بعدما اتهموا المنظم «الملتزم»، بترويج «معازف» على مسامع الرواد، ليتم الصعود لمنصة الحفل وسحب المذيع، ونقله تعسفاً في سيارة الهيئة إلى المركز، على الرغم من أن الحفل كان مقتصراً على الأناشيد الإسلامية بمصاحبة موسيقى مصدرها أصوات بشرية وأصوات بعض الطيور، ويبدو أننا أمام مفترق طرق؛ فالهيئة لم تعد تحتمل حتى الموسيقى الطبيعية، التي مصدرها الطبيعة، فما بالك بالمعازف المصنوعة كالكمان والعود والأورج. لاحظت خلال السنوات الماضية صعود فن الأناشيد الإسلامية وإبداع بعض الفنانين الملتزمين في دمج أصوات بعض البشر بأصوات البلابل المهاجرة والتي تتميز بشدو جميل، وأجد أحياناً صعوبة في التفريق بينها وبين الموسيقى، والسبب حسب وجهة نظري يعود لإبداعهم، وربما لزيادة هجرات البلابل والطيور من ذوات الأصوات الجميلة، وهو ما لم يكن في حسبان الهيئة، وسيكون من الصعب تهجيرها بعد أن قدمت مع العمالة المهاجرة لتستوطن البيئة التي ترفض التنوع في الألحان أو في النغمات أو الأشكال، ولعل ذلك هو السبب الذي أدى إلى احتجاز الإعلامي الملتزم، لاستعانته بأصوات البلابل المهاجرة في الحفل الإعلامي.! لكن السؤال الأجدر بطرحه عن مرجعية قرار رجل الهيئة عندما استعمل تهمة «ترويج المعازف»، وهل يعتقد أن من واجباته منع سماع الموسيقى في المجتمع السعودي، والتي وصلت إلى أن تكون ظاهرة مسموعة من قبل الغالبية، ولدينا مطربون نحتفي بهم كل عام، ويحيون حفلات داخل الوطن، وتُذاع الأغاني من القنوات الرسمية بشقيها الإذاعي والمرئي، وهل تعتقد الهيئة من مهماتها في المستقبل تحريم سماع الموسيقى في كل الوسائل الإعلامية المحلية وفي الأماكن العامة ومطاردة النغمات الجميلة مهما كان مصدرها. أحياناً لا أستطيع تفسير ما يحدث، وأتمنى سماع أجوبة مقنعة عن ذلك التعسف التي يمارسه أحياناً بعض رجال الهيئة، والذي قد يتم إدخاله ضمن جناية التسلط التي يجرِّمها الدين الإسلامي والقوانين الدولية، والتسلط هو مضايقة الناس ومطاردتهم في حياتهم اليومية، وفرض إجراءات عليهم ليس لها مرجعية قانونية أو تنظيمية، ولكن تحكمها الأهواء والممارسات التسلطية التي أصبحت حديث المجتمع، وظاهرة التسلط منتشرة في دول العالم الثالث، وتكاد تكون الظاهرة الأخطر وأحد أسباب عدم استقرار الأوطان، وعادة ما تكون متفشية إذا غابت سيادة القانون، وعندما تصبح السلطة لمن تكون كلمته الأعلى، وتلك مصيبة وتزيد من مشاعر الغضب والإحباط في نفس الوقت، والمدهش في الأمر أن قوانين المملكة تمنع الاعتقال التعسفي، ولا توجد استثناءات للهيئة أو غيرها، وربما نحتاج إلى أكثر من وقفة أمام اعتقال الإعلامي بلا مبرر، كما نحتاج إلى وقفات أمام «تهمة ترويج المعازف»، وحسب علمي هذه تهمة جديدة، ولأول مرة أسمعها!، ولو صحت لتم احتجاز الملايين. تطرقت في مقال سابق عن حاجة المجتمع السعودي إلى تشريعات عامة تؤطر عمل الهيئة وتحد من اجتهادات بعض رجالها، وأن لا تُترك للآراء الخاصة، وهذه دعوة للحوار الوطني أن يتبنى هذه المبادرة، وأن تتم دعوة المشرعين لرجال الهيئة من أجل فتح حوار حول أهدافها وتشريعاتها وطريقة تطبيقها على الناس، فالأمر قد وصل في بعض الأحيان إلى حالة اصطدام بين الناس والهيئة، وقد يصل إلى حالة الصدام، ولابد من طرح الأسئلة الجريئة عن ما نسمعه من أخبار عن نشاطاتها، ومنها طرد النساء الكاشفات وجوههن من السوق، وأخيراً ملاحقة الإعلاميين بتهمة ترويج المعازف، وهل معنى ذلك أننا متجهون إلى نمط الحياة الطالباني، أم أن الأمر لا يخرج من وجهات نظر لرجال غير ملتزمين بتنظيم الهيئة وتوجيهات قياداتها، وإذا صح ذلك فلا بد من معاقبة أولئك الذين يمارسون التسلط باسم الدين ثم لا يخافون حسيباً.