طارق الحميد - نقلا عن (الشرق الأوسط) اللندنية لا جدوى من مهاجمة الإخوان اليوم بمصر؛ ففشة الخلق ليست من السياسة بشيء، فالمطلوب بمصر اليوم حماية الدولة المدنية، ومستقبل مصر، وليس تهشيم الإخوان، أو تكسيرهم، وهذا ما يجب أن يتنبه له الجميع بمصر، وتحديدا القوى السياسية الليبرالية، وبالأخص الشباب. فقد أضاعت القوى السياسية الليبرالية، خصوصا الشباب، الكثير من الوقت والجهد، بعد سقوط نظام مبارك في قضايا عبثية، لا طائل منها، وهو ما شبهته بمقال في 18 يوليو (تموز) الماضي بأن «ليبراليي مصر مثل سنة العراق»؛ لذا فإن على القوى السياسية المصرية، ومعها الشباب، استغلال الوقت أفضل استغلال لضمان عدم ضياع مصر بعد ضياع فرصهم بالانتخابات البرلمانية.. والهدف، كما أسلفت أعلاه، ليس تهشيم الإخوان أو تكسيرهم، فلا إقصاء بالديمقراطية، وإنما الهدف اليوم هو التأكد من أن شروط اللعبة ستكون واضحة وعادلة، وهذا يعني مزيدا من العمل السياسي، وليس المظاهرات. ومن أجل ذلك فإن الفرصة الوحيدة المتبقية لمن يريدون التحقق من أن مصر ستبقى دولة مدنية، ومستقبلها محفوظ، هي التحرك من أجل ضمان دستور مدني، يضمن الحريات، والعدالة، والتعددية، وضمان حق الأقليات، ومدنية الدولة، كما يضمن صلاحيات للرئيس مقابل البرلمان تحقق التوازن السياسي، وليس المماحكة السياسية، بمعنى «تشك أند بالنس»، أي: ألا تتطرف الأغلبية، أيا ما كانت، بالبرلمان، أو يتحول البرلمان إلى ساحة صراع؛ حيث لا عمل ولا إنتاج، ولا تشريع، بل ساحة نقاش بيزنطي عقيم، كما يضمن ألا يتطرف الرئيس، أو يتسلط، بموجب الدستور، وفوق هذا وذاك، ضمان أن الرئيس لا يخلد بالحكم، أي أن تداول السلطة سيكون أمرا حتميا في مصر، ولا جدال فيه. حينها لا خوف على مصر سواء حكمها الإخوان، أو السلفيون، أو حتى فرعون سياسي جديد، وذلك لسبب بسيط وحيوي، هو أن شروط اللعبة السياسية لا توفر أجواء سيطرة في مصر، ولا توفر أجواء إقصاء تضعف البلاد، فحينها سيكون المنجز الذي يستشعره المواطن المصري العادي هو المقياس والحكم، فإذا أراد الإخوان، مثلا، أن يكونوا أردوغان مصر فأهلا وسهلا، وحتى لو أراد السلفيون ذلك فلا مانع أيضا، لكن لن تكون مصر طالبان أبدا، وهذا هو المهم والأهم في الأحوال كلها؛ لذا فإن المهم اليوم بمصر ليس التعارك مع الإخوان، أو السلفيين، بل ضمان أن تكون شروط العملية السياسية واضحة، وضامنة، لتداول السلطة، والتعددية، وضمان الحريات، وذلك كله لا يتحقق إلا من خلال دستور عصري يمثل مصر كلها، ويرقى إلى طموحاتها المستقبلية، وليس وفق واقعه الآني وحسب، دستور يكتبه رجال مثاليون برؤيتهم، وليس رجالا مؤدلجين، سواء إسلاميون أو ليبراليون. هذه هي فرصة مصر السانحة، فإذا تم استدراكها فلم تخسر مصر شيئا، فهل تتنبه القوى السياسية المصرية لذلك، خصوصا الشباب، أم تستمر في معركة طواحين الهواء مع العسكر، وتكرر أخطاء الشعارات الحالمة بعد سقوط مبارك؟ دعونا نرَ.