المشكلة الرئيسية أننا نتحدث عن حقوق الطفل في الإطار النظري والقيمي ولم تدخل في حيز التنفيذ والتطبيق الأمر الذي جعل كثيرا من التشريعات القانونية لا تأخذ صفة الإلزام والمساءلة لتبقى المسألة اجتهادات فردية متروكة للضمائر 20 نوفمبر هو يوم تاريخي يحتفل فيه العالم كُل العالم بيوم الطفولة العالمي والتي اعتمدت فيه الجمعية العامة إعلان حقوق الطفل في عام 1959، واتفاقية حقوق الطفل في عام 1989، من أجل تعزيز رفاه الأطفال في العالم، أما نحن السعوديون فكانت لنا قصة أخرى في هذا العام مع هذا اليوم تتماهى أحداثها مع الاحتفال بيوم الطفولة ولكن هذه المرة بإيقاع حزائني وبفورة غضب حادة إنها قصة حريق لمدرسة أطفال تحوي 720 طالبة في مشهد مُخيف أشبه بالأفلام المرعبة في هوليوود تهطل فيه الأرواح مثل هطول المطر من السماء هاربة من لهيب النار الحارقة. وبالرغم من أن هذه الحادثة كارثية بكل تفاصيلها المأساوية إلا أنني لم أكن في حالة تعجب واستغراب وأنا أنظر للمشهد بُكله على طريقة إذا عُرف السبب بطُل العجب، فلا غرابة ولا ذهول في تعليم نفتقد فيه لثقافة حقوق الإنسان كأولوية رئيسية أن تكون النتيجة كارثية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لتأتي الأسطوانة المتعاقبة بعد كل حدث وسيمفونية "من المسؤول؟". بعضهم وضع المشكلة كل المشكلة في الحارس (ليش ما يحرس كويس)!، والبعض الآخر قال التعليم، والبعض قال البلديات، وغيرهم قال الدفاع المدني فأصبحت (الطاسة ضايعة)!، ومجموعة أخرى قالت (قضاء وقدر)!، والذي أضحكني (وأنا ما فيني ضحك) أن أحدهم قال الجناة هم الأطفال أنفسهم وحكاية إحراق مجموعة من الأطفال لأوراق في قبو المدرسة! ولا أستبعد أن يأتي أحدهم ويقول المشكلة في وجود المدرسة من الأصل. إنني أتساءل: هل يمكن لمجتمع أن يغلق العين عن حقوق الطفل؟ إن كُنا نُتقن خطاب الدفاع عن الطفولة وحمايتها، فإن الواقع من الصعب تجميله بالخطابات. فقبل ثلاثة أشهر كُنت في الولاياتالمتحدة الأميركية ورأيت اهتمامهم بعالم الطفولة، وتفاجأت بأن أحد أقاربي طُلب منه الحضور للمحكمة فقط لأن ابنته تأخرت عن المدرسة 15 دقيقة لمرتين خلال شهر واحد، إنهم يُحدثون الأب بأن هذا الوقت هو حق من حقوق الطفل فلماذا يتم التعدي عليه؟ نعم إن أميركا تعيش وضعا بائسا في العقدين الماضيين فيما يرتبط بحقوق الطفل لكن لا بد من الاعتراف بأنها منذ 1976 تملك الكثير من التشريعات والقوانين لحماية الأطفال من إساءة المعاملة والإهمال حتى أصبحت جزءا من الخلفية الثقافية للمجتمع وكذلك اهتمامها الخاص بالسياسات المدرسية والتي تتنافس معها كثير من الدول أمثال بريطانيا والسويد وأستراليا. أما نحن: 15 عاما مضت على مصادقة المملكة على اتفاقية حقوق الطفل وكذلك مصادقتها على ميثاق حقوق الطفل في الإسلام، وسنوات عدة على إنشاء (اللجنة الوطنية للطفولة)، و6 سنوات ونحن نقرأ ونسمع عن مقررات حقوق الإنسان في التربية والتعليم.. لكن أين النتائج؟ أترك الإجابة للمسؤولين التنفيذيين! إن المشكلة الرئيسية أننا نتحدث عن حقوق الطفل في الإطار النظري والقيمي ولم تدخل في حيز التنفيذ والتطبيق الأمر الذي جعل كثيرا من التشريعات القانونية لا تأخذ صفة الإلزام والمساءلة لتبقى المسألة اجتهادات فردية متروكة للضمائر. إننا نتحدث عن أطفال ذاقوا في باكورة حياتهم مرارة الجراح وهُددوا في حقهم في الحياة ناهيك عن حالاتهم النفسية والتي تُمثل أكبر خطر في حياتهم بدءا من الخوف والأرق والانطواء الذاتي.. الخ مما يستدعي المراجعة الشاملة من الجذور. إنني أعتقد بأن علاج هذه القضية لا يأتي بترسانة من قرارات ردود الفعل السريعة وإنما بإيجاد بيئة قانونية تتوفر فيها أربعة شروط أستعرضها كما يلي: 1- سن القوانين التي تضمن الحقوق الأساسية للطفل واعتبار المصالح الفضلى له، فالحقوق أولا ثم تسن التشريعات القانونية بعد ذلك. 2- المساواة أمام القانون بمعنى أن تسري القوانين في مواجهة الجميع بشكل متساوٍ، ودون أي تمييز. 3- أن يتم احترام القوانين على أرض الواقع، فلا تكون مجرد نصوص شكلية، ولا يتم تعطيلها، أو عدم تطبيقها وإنما ينبغي أن تسري على جميع الحالات المشابهة. 4- أن توجد الوسائل الكفيلة بتطبيق القوانين، باللجوء إلى القضاء بحيث تكون قراراتها وأحكامها ملزمة لا تقبل التعطيل أو التماطل. وختاما أقول: إن الخطوات الحاسمة التي نفتقر إليها في مجتمعنا السعودي مرهونة بتطبيق حقوق الطفل فهي المحك الحقيقي والاختبار الفعلي للحد من بانوراما الحرائق.