(عندما تنهب ماشيتك يظل هناك فسحة خافتة من الأمل بأن الحظ سيسوقها عائدة مع فجر الغد ، عندما تسرق أرضك تعلم أن النضال في وجه المعتدي هو قدرك ، عندما تسرق مدخراتك تعلم بأن عند الله خزائن السموات والأرض ، ولكن عندما يسرق عمرك فما الذي سيعوضك ؟) نيكوس كازنتزاكي في المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع القيادي السوري المنشق في المنفى (عبدالحليم خدام) ، سرد فيها تفاصيل وصول الرئيس السوري السابق (حافظ الأسد) إلى سدة حكم سوريا ، وذلك عبر انقلابه على الرئيس (نور الدين الأتاسي ) في مطالع السبعينات . فالرئيس الأتاسي الذي رأس جمهورية سوريا بين عامي(1966-1970)كان يرعبه تضخم الجيش وامتداد نفوذه على يد (حافظ الأسد ) الذي كان وزيراً للدفاع آنذاك ، وحرصا منه على تأسيس الدولة الحديثة بجميع مؤسساتها (بدستور مدني ، وسلطة تشريعية تبرز عبر برلمان منتخب، وسلطة تنفيذية تدير شؤون البلاد، وأخيرا سلطة قضائية مستقلة ترقب أداء الجميع وتأخذ على يد المسيء ،مع ترسيخ لحس المواطنة واحتضان للحركات الوطنية من خلال مؤسسات المجتمع المدني ، وماهنالك من اشتراطات الدولة الحديثة ) جميع تلك الآمال والطموحات الوطنية لسوريا الحديثة كانت تتطلب قصقصة أظافر الجيش فطلب (الأتاسي) من الأسد أن يتنحى عن وزارة الدفاع أي يخلع بزته العسكرية ،ويرتدي المدنية ويصبح رئيسا للوزراء ، أي يقود السلطة التنفيذية ويشارك في تأسيس مشروع الدولة الحديثة في سوريا ، لكن الرئيس (الأسد) رفض هذا العرض وفضل عليه الحل العسكري والمجد الشخصي على حساب تاريخ ونضالات شعب كامل ، واستولى على الحكم عبر انقلاب. ومنذ ذلك الوقت أنشأ الأسد الأب لا نستطيع أن نقول دولة بل أسس نظاماً شموليا للحكم ، وسخر الجيش فيه بدلاً من حماية البلاد لحماية نظام الحكم ، عندها تحولت سوريا مع الوقت إلى دولة بوليسية مخابراتية تخضع لرؤية الحزب الأحادية مع غياب جميع المشاريع الحضارية عنها . ومنذ أواخر الستينات إلى يومنا هذا وسوريا مختطفة ، فمن يعوض أجيالاً عاشت تلك النكبات عن عمرها المسروق ؟ بماذا تستبدل سنوات العتمة والإذلال عبر القبضة الحديدية ؟ كيف يسترد الشعب السوري مشروعه النهضوي ودولته الحديثة التي كانت في بواكيرها الأولى؟ هل المجتمع السوري لم يكن مهيأ للتجربة أنذاك ؟ وكان يفضل بدلا من دولة المؤسسات الحديثة ، دولة (المستبد العادل) الذي يصل على صهوة الدبابة وقد انتكب البندقية؟ هل الانقلابات العسكرية كانت وباء شمل العالم العربي لم يكن هناك من سبيل للفرار منه ، وجاثوما أطبق على أنفاسه معيقا له عن النهوض والتحليق؟ أرواح الشهداء السوريين التي يقذفها الأعلام في وجوهنا كل يوم ، ونزيف الدم الذي يأبى أن ينقطع ، وحرب المخابرات السرية الشرسة التي توظف جميع الشرور الدناءات البشرية لتحقيق مآربها الرامية إلى حماية النظام ، هل هو مؤشر على التاريخ وقد أخذ يستعيد مساره؟ لكن جميع العالم بات على يقين أنها خطوات شعب يكابد نضالاته وبطولاته لاستعادة عمره المسروق وسنواته المختطفة .