أسبوع عجيب ككل أسابيع عام 2011، وختام أعجب لعام 1432، الأحداث تتنازع أيها أهم، وكذلك الأرواح التي تتدفق من كل مكان متجهة إلى بارئها شهيدة في كل حال بكل صورة، كل واحدة تقول أنا أولى بالذكر والترحم، في مظاهرة سلمية في سوريا أو مصر أو اليمن، في حريق مدرسة بجدة، في حافلة إلى جامعة حائل، في سيارة نقل إلى كلية بدرب جيزان. كما تتدفق الأحكام على رجال عهدناهم أولو إصلاح وأهل ثقة لتصل الثلاثين عاماً تاركة أسرهم في حالة من اليأس والحزن عارمة. وبالمقابل نجد ثمانين أسرة تتشح بالزهور والبخور في استقبال معتقليها الذين أُفرج عنهم بعد طول غياب في مناطق المملكة المختلفة، وإن كانوا على استحياء وهم يستقبلون ويودعون المعتقلات. أسبوع التداعيات أيضاً ففي يوم تعقد جامعة قطر مؤتمراً يغتنم مناسبة مرور ثلاثين عاماً على تأسيس مجلس التعاون الخليجي ودوره في تكوين هوية وسياسة واقتصاد وصناعة ومجتمع وثقافة مجتمعات الخليج العربي، فأقدم ورقة عن المرأة في الخليج وعدد من قضى في الطرقات والمدارس من بناتنا لم يُحصر بعد، وفي الرياض يوقع علي عبدالله صالح على اتفاقية تنحيه مع ضمانه عدم محاكمته على قتله المتظاهرين المسالمين أثناء تقديم د. عبدالعزيز صقر ورقة حول أمن دول المجلس وعلاقتها بالعراق وإيران واليمن. وخلال هذا الأسبوع تتفاعل أيضاً مبادرة الجامعة العربية لحقن الدماء في سوريا بتأثير خليجي، فتمدد جامعة الدول العربية، التي يرأس لجنتها رئيس الوزراء القطري، لسوريا فترة توقيعها على المبادرة، بوقف عنفها تجاه شعبها وفتح الباب لمراقبين من الدول العربية. وفي البحرين يذاع تقرير لجنة تقصي الحقائق أمام ملك البحرين الذي يوافق عليها وفيها الكثير من الجرأة والموضوعية في النقد والمطالبة بالتغيير، وتثبت أن قوات درع الجزيرة السعودية لم يصدر منها أي انتهاك لحقوق الإنسان. ويعود الشعب المصري إلى الشارع رافضاً حكوماته المطيعة للمجلس العسكري الذي يشابه الرئيس المخلوع في الكثير من صفاته. تتحرك الأحداث يمنة ويسرة في الخليج والعالم العربي مما يصعب عملية التحليل السياسية والعلمية لما يحدث ويتغير بين ليلة وضحاها. هل نترحم فقط على من قضى ومن عُذب ومن راح نتيجة إهمال أو استهتار أو استرخاص أو استخسار؟ من أين نبدأ والعالم لم يتعظ بعد ولم يدرك أننا نعيش فترة من التاريخ نادرة، تثبت لنا الدقائق فيها قبل الأيام أنه لا يدوم إلا وجه الله. ومع ذلك هناك من ما زال يعتقد أن بإمكانه الخلود، مع أن خمسة آلاف عام من المحاولات منذ جلجامش وحتى اليوم، تثبت لنا أن هذا أمر غير ممكن، وأن شجرة الخلود ليست على الأرض ولا في أعماق البحر وأن كلنا إلى زوال، لكن هذا المعتقِد بخلوده وخلود كرسيه سواء كان في أعلى الهرم أو أسفله، ما زال لم يخف ولم يستدرك ولم يصحح ولم يراجع وكأنه أخذ على الله عهداً بأن يتركه مسلطاً على رقاب الناس إلى قيام الساعة. كيف نقرأ كل هذا ونحن نصل إلى ختام عام هجري مليء بثورات وانتصارات وتحولات وكل المفردات المتفرعة مما سبق. عام لم نحلم بأننا سوف نحياه، وما زال المخاض لم ينته والوليد لم يخرج إلى النور بعد، ونرى كم هو مؤلم في كثير من نواحيه وكم هو باعث للأمل في نواح أخرى. فيه يعيد السياسيون وضع نظرياتهم والمحللون تدوين نبوءاتهم، والمؤرخون والمؤرخات توثيق كتبهم/ن. ولي عودة إلى كل ما سبق فيما أستطيع فقط. وعظم الله أجرنا جميعاً في فتيات جدة وحائل وجازان، وأنزل عليهن الرحمة والغفران وألهم أهلهن الصبر والسلوان، آمين.