في كل أزمة عربية تعود أسماء شاعرة مثيرة للجدل مثل أحمد مطر ومظفر النواب للتداول بين الكثير من المتناحرين على المنابر الإعلامية، والمثير للضحك هنا أن كل طرف يستشهد ببيت من هنا أو هناك سواء ل"مطر" أو "النواب" أو لغيرهما، للانتقاص من الآخر، متناسين أن جل ما كتبه الشاعران، كان فضحا لأساليب القهر والجبروت ضد المواطن البسيط التي مارستها - وما زالت - أنظمة "المقاومة والممانعة".. طبعا بالصراخ والعويل فقط. القضية التي لم يستطع هؤلاء الاعتراف بها، هي أن كل الأدباء العرب الذين قاوموا الديكتاتورية والتسلط، وفي مقدمتهم من ذاب حتى آخر قطرة دم في حب "القومية والنضال ضد الإمبريالية والرجعية العربية"، كلهم لم يسلموا من غزوات "زوار الفجر" التي تنتهي غالبا باستضافة كريمة في أحضان "أبو زعبل" يتم خلالها تقديم كؤوس من "السياط" تحت أنغام أبيات الشاعر القومي، ويُفضل أن تكون تلك الأبيات ممجدة ل"مقاومي الرجعية" و"دعاة التقدمية" ممزوجة ب"كم حبة" عن فلسطين. طبعا هذه الاستضافة في أحضان "أبو زعبل" لا تشترط أن يكون الأديب قد تجرأ على أحد "الزعماء التقدميين المناضلين" أو حتى خطط للانضمام لحزب سياسي يشتبه في أنه "معيق لمسيرة النضال"، فهاتان الجريمتان لا تعالجان إلا بفصل الرأس عن الجسد فورا دون الحاجة إلى استضافة "زعبلاوية". ولكن من المحتمل أن يكون أحدهم "من خدام زوار الفجر" شاهد الأديب غارقا في التفكير على ناصية أحد المقاهي، فوضع احتمالات عدة لهذا الاندماج مع الذات، منها أنه قد يكون في مرحلة رسم خطة للانقلاب واستلام زمام القيادة الثورية - طبعا - كما فعلت "القيادة المناضلة" التي استطاعت الوصول إلى قمة السلطة على جدار من الجماجم "الرجعية"! وهناك احتمال آخر هو ضبط قصاصة من قصيدة أو قصة قديمة كان يتحدث فيها الأديب عن معاناة الشعب "المقاوم" من العوز والفقر بسبب سيطرة "إقطاعيو الثورة". قد يعتقد بعض من يقرأ الأسطر السابقة أنها تحوي مبالغة، ولكن من يشك في ذلك فليعد إلى قراءة سير الكثير من الشعراء العرب الذين ينظر لهم على أنهم "ثوريون، قوميون، عروبيون، تقدميون" سمهم ما شئت من ألقاب "يا ويلك يا اللي تعادينا يا ويل"، وماذا فعلت بهم "الأنظمة العروبية المناضلة"، وفي الوقت نفسه تُقارن تلك الأفعال "النضالية الزعبلاوية" بما قدمته للأدباء ما يطلقون عليها "الأنظمة الرجعية"، وليكونوا منصفين في الشهادة لأن الكثير من الأدباء والمفكرين "شهود الحالة" ما زالوا أحياء يتحسسون جلودهم صباح مساء، ويهمسون ب"اللعنات" على "السياط الثورية التقدمية" التي شقت طريقها "النضالي" عبر أجسادهم المترهلة.