تغنى بالعروبة وهي روح تهدهد مطلبا نضرا قشيبا ونادى بالوفاق فكان لحنا شجيا يمسح الهذر الكئيبا هل كان أحمد السقاف (رحمه الله) يتحدث بهذين البيتين عن نفسه ملخصا حياته وشعريته في هذا السعي الدؤوب إلى عروبة ناهضة، ووطن يسوده الوفاق والسلام؟ رحل السقاف والحياة غير الحياة. في كلمته التي ألقتها السيدة كريمته فارعة السقاف بمناسبة تكريمه من قبل المجلس الوطني للثقافة عام 2007 قال السقاف بعد إشادته بدور الكويت الريادي: «فلولا مناخ الحرية الذي تمتعت به الكويت منذ منتصف القرن الماضي لما حصدنا هذه الإبداعات الثقافية والفكرية والأدبية والفنية التي نحتفل بتكريمها كل عام. لذا ما من رسالة لدي اختتم بها كلمتي هذه وأوجّهها لكل من وضع الكويت في قلبه سوى رسالة واحدة، الحرية أولا، الحرية ثانيا، الحرية ثالثا». لعل هذه الوصية تأتي متسقة مع رجل دأب على التعبير عن حب أمته التي يريد لها الحرية كشرط للتقدم بالقول والفعل فجاءت إسهاماته منذ إصداره لمجلة كاظمة ثم ترؤسه مجلة الإيمان التي أصدرها النادي الثقافي القومي. ولا يمكن أن ينسى عمله الجليل وإسهامه في إصدار مجلة العربي حيث كلف بالسفر للتعاقد مع من يقع عليهم الاختيار لاصدار مجلة ثقافية في الكويت، فسافر في ديسمبر 1957 الى بعض الاقطار العربية، وفي مصر تعاقد مع الدكتور احمد زكي وبعض الفنيين والمحررين فأصدروا في ديسمبر عام 1958 مجلة «العربي» التي صارت وما تزال سفيرة الثقافة العربية التي سكنت كل بيت. تولى السقاف مناصب عدة توزعت بين العمل التربوي والإعلامي والسياسي، فقد كان مديرا للمدرسة الشرقية، كما خاض السقاف ميدان العمل الإعلامي فعين عام 1962 وكيلاً لوزارة الإرشاد والأنباء (الإعلام حالياً)، وفي 1966 نقلت خدماته إلى الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي بدرجة سفير. أما فيما يتعلق بالنشاط الثقافي والأدبي فقد تولى أمانة رابطة الأدباء وشارك في العديد من مؤتمرات الأدباء. ترك السقاف العديد من المؤلفات منها «نكبة الكويت»، «المقتضب في معرفة لغة العرب»، «أنا عائد من جنوب الجزيرة العربية»، «الأوراق في شعر الأديرة النصرانية»، «حكايات من الوطن العربي الكبير»، «قطوف دانية في الشعر الجاهلي»، «أحاديث في العروبة والقومية»، «الطرف في المُلَح والنوادر والأخبار والأشعار»، «أحلى القطوف في الشعر الأموي»، و«أغلى القطوف في الشعر العباسي». كما أصدر ديوانه الكامل في طبعات متتالية تحت عنوان «شعر أحمد السقاف». وهي جميعا مؤلفات تشهد باتساع الثقافة، وتوزع الهم بين قضايا العروبة وقضايا الأدب. وكلاهما كانا في ذهن السقاف ومجايليه أمرين لا ينفصلان حيث يجسد الأدب التعبير الواضح عن أشواق النهضة وتجاوز الفرقة وحث الجمهور العربي على الشعور بالمسؤولية الوطنية والحضارية. متعدد المواهب وكان المجلس الوطني للثقافة قد أصدر مجلدين يضمان معظم أعماله، وجاء في تصدير المجلدين كلمات تحتفي بهذه المناسبة. يقول د. خليفة الوقيان: «يشغل الأستاذ أحمد السقاف موقعا مهما في مسيرة العمل التربوي والثقافي والسياسي في الكويت، فضلا عن الموقع الذي يحتله في مجال النضال القومي». ويصف الوقيان أديبنا الراحل بقوله «هو رجل قوي الشخصية، شجاع في الحق، لا يحيد عن قناعاته، ولا يستسلم للمغريات، فضلا عن تحليه بالجلد في العمل، والدقة في تنظيم الوقت بحيث يتسع للمسؤوليات العديدة التي ينهض بها». ويتابع الوقيان: «والأستاذ السقاف متعدد المواهب، ثري العطاء، فهو شاعر، وخطيب، ونحوي، وباحث في مجالي الأدب والتاريخ، وهو من قبل ومن بعد مناضل وطني وقومي، ورائد من رواد العمل الصحافي، فضلا عن براعته وصرامته في الإدارة، وفي التعليم». النزعة القومية لقد وصف الباحث الدكتور محمد حسن عبد الله أسلوب السقاف بأنه «السهل الممتنع لا يستطيعه إلا أديب قدير ملك قلمه وسيطر على لغته، كلماته على قدر معانيه، وعاطفته القومية الجياشة يحكمها ويشذبها بتحليله ورصده لأطوار التاريخ العربي». أما عن شعره فقد وجهه بحسب الدكتور الشطي «لهدف جليل هو إذكاء النزعة القومية، فديوانه الكامل سجل فني لحركة الشعور القومي طوال النصف الثاني من القرن العشرين. لقد تحدد مسار الشعر عنده في التحلق حول دعوة وحيدة أساسية تمحور شعره حولها، فالهدف الأساسي للشعر هو الانشغال بهموم المرحلة ضمن رؤية تحددت ملامحها بوضوح لا تترك مجالا لغيرها، فالشعر مقرون بهدفه الذي يتجه إلى التغني بتلك النزعة القومية المحورية».