عرفتُ فقيد الثقافة العربية الأستاذ أنيس منصور منذ زمن طويل، وهو قبل معرفتي به.. له أيضاً تاريخ صحفي وثقافي طويل.. الجانب الثقافي لا أعتقد أنه يحتاج إلى إيضاح مني، فالرجل موجودة أفكاره الحديثة في الكثير من كتبه التي تعرفها مختلف المكتبات، لكن ما يهمني أن أتحدث عنه هو الجانب الشخصي في حياته.. هذا الرجل الذي وجد تقديراً متواصلاً من مختلف الفئات السياسية والسيادية في كثير من الدول العربية، ومع ذلك لم يكن مدّاحاً لكي يأخذ.. ولا شاتماً لكي يذكر بما يريد أن يأخذ، حيث هو نزيه في تعامله ولم يلوّث سمعته بما يمارسه بعض الكتّاب العرب، الذي يروى عن أحدهم من خارج مصر أنه زار دولة عربية مع وفود إعلامية في مناسبة، ربما تكون قمة عامة، فأعطاه الحاكم بحسن نية تامة مثلما أعطى غيره.. وبعد هذا الموقف بعام تكرّر التواجد لكن في مناسبة أخرى، وعند سلامه على الحاكم.. قال الحاكم مازحاً: أكرمناك في العام الماضي لكنك تجاهلت تطورات دولتنا هذا العام في كل ما تكتب.. فأجاب: ما دفعتموه كان لكي لا أنتقد.. ولو زاد كثيراً لكان يعني.. لكي أمتدح.. مثل هذا المحترف معروفون مع الأسف في الصحافة العربية، ولعل ليبيا القذافي أول من أغراهم بهذا السلوك، وأيضاً في أكثر من دولة، بل بعضهم يرصد شتائم يعتقد أن إيقافها لا يتم إلا بالفلوس وهو ما لا يحدث.. أنيس منصور - رحمه الله - لم يستخدم قلمه للنيل من الآخرين مثلما هو حال بعض كتاب آخرين.. ولم يستخدمه أيضاً كوسيلة كسب مثلما تميّز بذلك آخرون نعرفهم جيداً.. لقد احتواه الرئيس السادات بتقارب فريد، ومع ذلك لم يبالغ بامتداحه رغم خصوصية أدوار الرئيس السادات.. وفي عصر الرئيس مبارك تم تجاهله؛ لكنه أيضاً لم يناصبه العداء.. عاش الرجل للثقافة.. لنزاهة التعامل فكان وفياً مع وطنه وقدّم أعمالاً ثقافية ليست بالغريبة على قدرات رجل عاصر العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم، ولم ينحدر إلى مستويات مهازل هذا العصر..