محمد الصوياني - الرياض السعودية تزوره -عليه السلام- عجوز فيرحب ويتلطف بها ويسألها: (من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية) عندها لاطفها بكلمات كالدلال، فقال: (بل أنت حسانة المزنية)، ثم ينعش قلبها بأسئلة كزخات المطر: (كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت و أمي يا رسول الله)، فيؤتى بطبق فيه لحم، فيقوم بتقطيعه ومناولتها وكأنها أمه، فتتعجب عائشة -رضي الله عنها- من هذه البشاشة، وتسأله بعد خروجها وتقول: (يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان -السلسلة الصحيحة). ويسافر عليه السلام ثم يعود، فتعلم إحدى النساء بقدومه فتأتيه تحمل دفها ويحملها فرحها وتقول: (يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحاً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نذرت فاضربي - صحيح الترمذي للألباني) فتضرب وتتغنى بحضرة أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. كان له -عليه السلام- ابن بالتبني ملك عليه قلبه، فسماه (زيد بن محمد) ولما بلغ زيد رضي الله عنه زوَّجه من امرأة سوداء تكبره بكثير.. اسمها بركة (أم أيمن)، فأهدته طفلاً أسود ينافس الحسن ركضاً في بساتين قلبه.. كان يضمهما ويناشد ربه حبا ويقول: (اللهم إني أحبهما فأحبهما -البخاري)، وذات يوم هاجم الروم مؤتة فتصدى لهم زيد ببسالة حتى خر شهيداً، ففُجع عليه السلام بحبيبه، فكان يزور أرملته العجوز وطفلها، وبعد وفاته شعر أبو بكر بمكانة العجوز، فقال لعمر رضي الله عنه: (انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها بكت. فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله؟) فأبكتهم شوقاً حين قالت: (أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء. فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها - مسلم). لم يكن عليه السلام يهمش المرأة أو يرد لها طلباً.. مجموعة من النساء يتوجهن له يطالبن بحقهن في العلم كالرجال فيقلن: (غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك؟ فوعدهن يوماً -البخاري) حتى ذوات الاحتياجات الخاصة كن يشغلن اهتمامه.. هل رأيتم امرأة مختلة تطوف برأس الدولة شوارع طيبة؟ امرأة (في عقلها شيء تقول: يا رسول الله إن لي إليك حاجة؟ فقال: يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك؟ فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها -مسلم). امرأة أخرى سوداء مصابة بداء الصرع تشكو له: (إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي؟ قال عليه السلام: إن شئت صبرت ولك الجنة؟ وإن شئت دعوت الله أن يعافيك؟ فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف. فدعا لها - البخاري) المرأة الفقيرة كانت ملء سمعه وبصره حتى بعد موتها.. امرأة سوداء نظيفة كلما دخلت المسجد تفقدته رضي الله عنها.. اختفى طيفها العذب النظيف، فافتقدها وسأل عنها فأخبروه أنها ماتت، فحزن و(خرج بأصحابه فوقف على قبرها، فكبر عليها والناس من خلفه ودعا لها ثم انصرف - ابن ماجه ومسلم) وكأنها من كبار الصحابة. هواية الوصاية على عقل المرأة في عالمنا العربي يمارسها أدعياء تحريرها أو تقييدها معاً، المحير أن الطرفين يقتتلان حول المرأة الجسد، وبضجيجهم تخفت أغلبية النساء.. تذبل المرأة الإنسان؟ في عالم يتسيده الرجل تتوارى تلك النصوص الجميلة التي تضيء المهمشات: (الكبيرة والعاجزة.. الأم والجدة.. الأرملة واليتيمة.. المعوقة وغير الجميلة والتي ضاع عمرها وهي تحلم بسكن..و..) نساء لسن بحاجة إلى من يفكر عنهن أو حتى يتغزل بهن، بقدر ما يتقن إلى من يخلي بينهن وبين سنة حبيبهن التي ينتزعن بها حقوقهن بعيداً عن وصاية الرجل واستغلاله.. سنة ترفضن اختزال المرأة في وجه عذب أو جسد مثير، أما المفارقة فتكمن في مثقفات يهرولن خلف هؤلاء أو هؤلاء في استجداء محير للوصاية.