في زمن "الثورات" العربية وتباين مصالح واتجاهات القنوات الفضائية الناطقة بالعربية وسط هذه "الزحمة" الثورية، يبدو أن قناة وراديو" BBC" تحاول بخبرتها العريقة اقتناص الفرصة والعودة للذاكرة العربية التي كانت إلى ما قبل 30 عاما تجزم أن الخبر اليقين لم يعد عند "جهينة" العربية، بل سيأتي من فم "جهينة" البريطانية، حيث رُسم الخبر المثير عربيا حينها في الأذهان بدقات "بق بن" وصوت جميل عازر ورفاقه عندما كانوا في عاصمة الضباب قبل أن يتركوها إلى شمس الصحراء. فعلى الرغم من أن ال"BBC" منذ تأسيسها عام 1927م كانت ومازالت تتأثر في مواقفها بمواقف أصحاب الشركات المساهمة فيها، إلا أنها تعتبر حاليا من القنوات التي تصنف بأنها حيادية نوعا ما، في تناولها لكثير من الأحداث العربية والعالمية، وذلك من خلال لغة مهنية معتدلة وحذرة جدا في تبني أي موقف حكومي حتى مواقف الحكومة البريطانية، مع أنه كذلك يؤخذ عليها تعاطفها مع "إسرائيل" ولو بشكل غير فاضح، كما تفعل بعض القنوات الناطقة بالعربية! والمتتبع ل"BBC" العربية منذ عدة أشهر يلمس جهدا واضحا في الاهتمام بالبرامج الحوارية المباشرة أو المسجلة، ومحاولة طرح جميع وجهات النظر بل وطرح كثير من الأسئلة الجريئة التي لا يجرؤ على طرحها كثير من مذيعي القنوات الإخبارية الأخرى حتى أولئك الذين صموا الآذان في فترة ما، بالحديث عن حرية الرأي والرأي الآخر. وقد تكون أبرز ميزة واضحة للقناة البريطانية العريقة في "زمن الثورات" أنها بقيت بعيدة إلى حد كبير عن الخطاب التعبوي الأيديولوجي والمصلحي الذي انساقت في ركابه بقصد أو دون قصد كثير من القنوات الناطقة بالعربية، حيث تحولت تلك القنوات من صانع للخبر وما وراءه إلى جهاز للتعبئة المعنوية كتلك الموجودة في الجيوش، وهو ما يبعد أي وسيلة إعلامية محترفة عن مهامها الأساسية. إذن فما يحدث في الإعلام العربي من فوضى واختلاط المهنة بأهداف سياسية وأيديولوجية، فرصة لا تعوض ل"BBC" لأن تكون الخيار الوسط للمشاهد العربي من بين الأطراف الإعلامية المتحاربة حربا علنية، لا مجال فيها للمهادنة والموضوعية فالخبر والتحليل والبرنامج تحول إلى "يا غالب يا مغلوب".