عندي أن المواطن العادي يتشاءم من المرور على رصيف فيه ماكنة صرّاف. لا لشيء إلا لأن الكثير منا يعلم أن "المتوفر" يضيّق الصدر. قال شاعر وقع في أسر الوظيفة، وقاسى من تعالي بعض الرؤساء ما حزّ في نفسه وملأها أسى وهو يعلم أنه دونه علما وخلقا: - لم أشد قصرا كلألاء الضحى من دم الجائع والمهتضمِ نظرة الفردوس لن تجعلني أيها الراتب بعض الخدم لستَ في عينيَ إلا صفحة من كتاب الذل مهما تعظمِ وقال آخر: - سوايَ يقفز في الأيام راتبهٌ ويعتلي من ثلاثينٍٍ لسبعينِِ أما أنا فالسنين العشر قد سلفت وراتبي راتبي من يوم تعييني. أراهم علّموا ماكينات السحب الآلي في المصارف أن تقول: المتوفر أو الباقي، بدلاً من "الرصيد". وصرنا نقول عن فلان إن لديه "رصيدا" من الخبرة. ونقصد أن بإمكانه استعمال آثار نشاطه السابق. وبالنسبة لحديثنا عن المصارف فإن الكلمة تعني المتبقي من الحساب. والإنجليز يقولون عنه "بلانس" BALANCE وتعني تعادل الجانبين السلبي والإيجابي في العملية التجارية. والعامة عندنا في التجارة القديمة يقولون "يرصد" الحساب. وكانت هذه العبارات تظهر مع أو قبل أو أثناء الميزانية فتصير "الميزانية" مادة الكلام وحديث المجالس والصحف لأسبوع أو أسبوعين. والآن تمر الميزانية مرّ "الكرام"..! وبدأ ذلك الصدى يتلاشى شيئاً فشيئاً بعضنا يعرف لماذا والبعض الآخر لا يعرف. نأتي إلى كلمة رصيد وهي من الكلمات المقتبسة من اللاتينية، وهي قليلة وقد اندمجت في العربية بواسطة اليونانية أو الإيطالية. فكلمة "رصيد" أخذتها العربية من كلمة (ريزيديوم) اللاتينية RESIDUUM. واشتقت منها كلمة RISIDUE. وتعني الفضلة أو الفضالة أو البقية.