أكبر فائدة لأي برلمان معين في العالم هو عدم وجود ضغوط على أعضائه تدفعهم للبحث عن الأضواء والشعبية، وتفرغهم للمصلحة العامة للمواطن لا غير، لكن ما القول إذا تساوى العضو المعين مع الناخب في هذه الانتهازية؟ لا نملك إلا الدعاء: رحماك ربي بهذا المواطن وما يفعلونه به. بعض أعضاء مجلس الشورى السعودي، أخيراً، بدأوا بالبحث عن الشعبية والأضواء عن طريق طرح مقترحات غير قابلة للتطبيق أصلاً، أضف إلى ذلك أنها تثير الشارع السعودي برفع سقف توقعاته أعلى مما هي على أرض الواقع، وبالتالي فإنه (المجلس) يضع الحكومة في حرج بعد طرح هذه الموضوعات في جلساته، فإن استجابت الحكومة تسبّبت في ضرر للاقتصاد الوطني، وإن رفضت وقامت بدورها، رمى ""الشورى"" الكرة في ملعب الحكومة وخرج منها بدور البطل، ولعل ""الفلتر"" الذي يقوم به مكتب رئيس المجلس يحدُّ كثيراً من المقترحات المضحكة قبل عرضها على جدول أعمال المجلس، وإلا لكانت فضيحتنا على كل لسان! الأسابيع القليلة الماضية شهدت مناقشة ""الشورى"" عدداً من الموضوعات التي غلب عليها البُعد الشعبوي وليس المصلحة العامة، ولعل أكثر هذه المواضيع إثارة، كانت توصية مقترحة بمنح موظفي الحكومة راتب ثلاثة أشهر كبدل سكن، وهو المبلغ الذي قدّره الخبراء بأنه سيكلف خزانة الدولة ما يصل إلى 75 مليار ريال، وبحسبة بسيطة يتبين أن هذا المقترح غير قابل للتطبيق لا عملياً ولا اقتصادياً، حتى لو قبلت الدولة جدلاً بضخ هذا المبلغ الضخم، الذي سيذهب في النهاية إلى جيوب العقاريين لا الموظفين، فإنه لن ينتج عنه حلٌ لمشكلة الإسكان التي يعانيها 70 في المائة من السعوديين. بعبارة أخرى، سنجد أنفسنا بعد عقد من الزمان، في حالة إقرار التوصية، وقد دفعت الدولة ما يقارب تريليون ريال، بحساب فوائد المبلغ سنوياً، لكنها ستذهب سدى وليس إلى مكانها الصحيح، وبالتالي لا نحن تمكّنا من حل مشكلة الإسكان، ولا نحن حفظنا مصروفات الدولة، التي هي من الأساس تئن تحت ارتفاع نسبة رواتب موظفي الحكومة الذين يقدرون بمليون موظف. لن أغوص أكثر في تفنيد هذه التوصية المقترحة، فالأعضاء أنفسهم بالتأكيد لن يمرروها، غير أن مثل هذه التوصيات تلعب على عواطف البسطاء ممَّن فعلاً يكتوون بنار غياب حل جذري لمشكلة الإسكان، ولا يستفيد منها إلا مَن يطرحها، بل ربما في نهاية الأمر تؤلب الرأي العام على مجلس الشورى الذي يعاني الأمرين من غياب الثقة به، لكن هناك مَن يصرُّ على أن يزيد الطين بلة. كم كانت توصية المجلس بالسماح للمرأة السعودية بالانتخاب والترشح لعضوية المجالس البلدية فرصة حقيقية للمجلس لإثبات أنه قادرٌ على الوصول إلى قضايا أكثر عمقاً وفائدة لأغلبية أفراد المجتمع، إضافة إلى كون تحريك هذه القضايا يسهم في إضافة فعالية يحتاج إليها أداء المجلس، سواء أمام المواطنين أو حتى متخذ القرار، باعتبار أن تطوير تجربة الشورى قادمة لا محالة، لكن مثل هذه المقترحات الشكلية الاستعراضية تعود على المجلس بشعبية زائفة ومؤقتة .. فهل هذا ما ينتظره المواطنون من مجلس الشورى؟!