سجن الفتيات المتورطات في قضايا الخلوة غير الشرعية هو بالنسبة لمجتمعنا مسألة أخلاقية وإنسانية، ووزارة الداخلية مستندة على المعالجة الحكيمة والإنسانية وجهت بأن يتم التعامل مع قضايا الخلوة غير الشرعية بإطلاق الفتاة، وأخذ تعهد على الشاب كتب الزميل العزيز صالح إبراهيم الطريقي قبل عدة أسابيع في صحيفة عكاظ مقالاً تحت عنوان "متى أصبحت المرأة كائناً غير مسؤول؟"، احتج فيه على الطريقة التي تناولت فيها شرطة الدمام حادثة إلقاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القبض على فتاتين مع شابين، بتهمة الخلوة غير الشرعية، حيث تم استدعاء وليي أمر الفتاتين، وتم تسليمهما لهما؛ في حين تم إيداع الشابين المتورطين معهما السجن. والزميل صالح يرى في ذلك إخلالاً، لم يفهمه، حيث تساءل؛ لماذا لم يستدع وليي أمر الشابين ويتم تسليمهما لهما، كذلك؟ أو إيداع الفتاتين السجن، مثلهما مثل الشابين؟ وهذا سؤال واحتجاج منطقي على الإجراء الذي اتخذته شرطة الدمام، من الناحية النظرية؛ أما من الناحية العملية والواقعية فهو إجراء صائب، ولا غبار عليه في ظل ثقافتنا الاجتماعية؛ إن لم يكن جائراً في حق الفتاتين في ظل ثقافتنا الاجتماعية، وتعليمات وزارة الداخلية المتكررة للشرط ومراكز هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما أن الزميل العزيز صالح، ضرب مثالاً، أعتقد أنه في غير محله في سعيه لإيضاح فكرته، وذلك عندما أورد قصة المرأة المشهورة، التي أتت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واعترفت له بالزنا. حيث كما علق الزميل على قصة المرأة، بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد تعاطى مع قضية المرأة، على أنها كائن مستقل ومسؤول عن تصرفاته ولم يقم باستدعاء ولي أمرها، باعتبار أنها ملك خاص لا بد من إحضار مالكها بصفتها غير عاقلة. وأعتقد بعدم صلاحية مقارنة مثل قصة المرأة أعلاه مع حادثة فتاتي الدمام، لعدة أمور. منها بأن واقعة الزنا التي ورد فيها حد منصوص عليه بالقرآن؛ غير حادثة الخلوة، التي حرمت، ولكن لم يرد فيها حد واضح ومفصل، لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية المطهرة؛ حسب علمي، ولكن خضعت عقوبتها، في حال طبقت عقوبة عليها لتأويلات واجتهادات بشرية، حسب الزمان والمكان. وكذلك.. الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس قصة المرأة التي أوردها الزميل؛ حاول تجاهلها لأكثر من مرة، ولكنها أصرت على عرض جريمتها عليه. ومع ذلك فقد أرسل الرسول من يسأل عن حالتها العقلية، ممن يعرفون المرأة جيداً. كما أن الرسول أمهل المرأة حتى تلد وتنهي فترة رضاعتها لطفلها، التي بلغت حولين، على حسب القصة. ومع كل هذه المدة الطويلة والتحريات جعل الرسول الباب أمام المرأة مفتوحاً، إذا شاءت أن تتراجع عن اعترافها. ولذلك فاستشهاد الزميل صالح بقصة المرأة أعلاه لتبرير مطالبته بسجن فتاتي الدمام أسوة بشابيها، أو استدعاء وليي أمر الشابين وتسليمهما لهما أسوة بالفتاتين، غير موفق، ولا صائب، لا من قريب ولا من بعيد. ولكن فليسمح لي الزميل صالح، بأن أورد له قصة قريبة جداً من قصة الفتاتين، وتعكس نفس الحالة والظروف، ليرى بأن تعاطي شرطة الدمام مع الفتاتين، بتسليمهما لوليي أمرهما كان قاسياً جداً بحقهما. فالقصة تأتي كإحدى مرويات الباحث والمؤرخ القدير معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي، والتي أورد فيها قصة إحدى الشخصيات التاريخية من إحدى بلداتنا النجدية، اشتهر بالذكاء والفطنة والفراسة، حيث تولى هذا الشخص أمر حسبة البلدة لمدة ستين عاماً، وتوفي في زمن الملك عبدالعزيز، وكان هذا المحتسب رحمه الله يمثل لبلدته جهاز الشرطة والمباحث، وكل السلط الأمنية حينها. والقصة التي رواها المؤرخ العبودي في أحد كتبه تقول بأن المحتسب المذكور، كان يعمل جولة أخيرة بعد صلاة العشاء بساعة في أسواق مدينة بلدته آنذاك، ومعه رجلان، فمروا على بيت (خرابة)، متساقط الأركان، غير مأهول، وتعدوه، وقبل أن ينهي جولته قال لمرافقيه بأنه يشعر بريبة من البيت الخرب الذي مروا من جانبه أثناء جولتهم. ولما سألوه عن مصدر ريبته، أجاب بأنهم عندما يمرون من جانب بيت خرب فهم يسمعون حركة القطط داخله، عندما تسمع هذه القطط وقع خطى أرجلهم؛ وفي هذه المرة لم يسمع حركة من داخل البيت الخرب، ولذلك فهو يشك بأن أحداً مختبئا داخله قد طرد القطط منه، ولذلك قرر بأن يرجع هو ومرافقاه، "لتشييك" أخير على البيت الخرب. ولما رجعوا ودخلوا البيت الخرب وجدوا شاباً وشابة في حالة خلوة غير شرعية، وعليه أمروا الفتاة بأن تخرج من المكان ومسكوا الشاب، وضربوه، وهددوه إن هو فعل ذلك مرة أخرى فسوف يحيلون أمره للأمير، والقاضي، ويحكم عليه. طبعاً لصغر حجم البلدة آنذاك عرفوا الشاب ولكن الفتاة لم يحاولوا حتى التعرف عليها، وإنما أمروها بمغادرة المكان حالاً. وهذا هو الإجراء الطبيعي الذي يفعله الناس سواء من لهم سلطة أو من ليس لهم سلطة في أي بلدة أو قرية سعودية آنذاك؛ عندما يباشرون معالجة مثل هذه الحادثة. وذلك لأكثر من سبب، منها أن إلقاء القبض على الفتاة التي يلقى القبض عليها في حالة خلوة، ثم تؤمر بمغادرة المكان، عادةً ما تحمد الله على نعمة الستر عليها، ولا تعاود لمثل عملها هذا مرة أخرى، وهذا هو المطلوب من عملية العقاب، وهو الإصلاح؛ فإذا حصل الإصلاح بدون عقاب، فهذا خير وبركة. أما تأديب الشاب، بالضرب وأخذ التعهدات عليه، فكون الشاب بطبيعته، مغامر أكثر بكثير من الفتاة، ولذلك فالعقاب قد يردعه عن تكرار مغامراته غير المسؤولة، وخاصة في تغريره بالفتيات. وكذلك لسبب آخر وهو بأن الشاب كما يعتقد مجتمعنا بأنه يحمل عيبه في جيبه، أما عيب الفتاة فيسحب على أخواتها، ومن الممكن بنات عمها، وتوصم العائلة كلها بعيبها، حتى ولو كانت المسألة مسألة خلوة غير شرعية لم يرد فيها نص عقاب ديني، ناهيك عن أن بعض الأسر قد ترتكب جريمة قتل الفتاة، على مثل هذا الخطأ فيتحول الخطأ إلى جرم، يرتكبه أحد أفراد أسرة الفتاة يستوجب القصاص. ولا ننسى مناداة منظمات حقوق الإنسان لدينا، التي تشكو من عدم استلام ذوي المسجونات بتهمة الخلوة الشرعية لبناتهم، وبقائهن بالسجن لشهور، قد تصل لسنوات بعد انتهاء محكومياتهن. ووزارة الشؤون الاجتماعية الآن تعد لفتح ملاجئ للفتيات اللاتي يرفض ذووهن استلامهن من السجون بعد انتهاء محكومياتهن. إذاً فمسألة سجن الفتيات المتورطات في قضايا الخلوة غير الشرعية هي بالنسبة لمجتمعنا مسألة أخلاقية وإنسانية، قبل أن تكون عقابية أو قانونية، وقد تعامل معها أجدادنا بمنتهى الرقي والحكمة والإنسانية، وسقطنا نحن في اختبار إنسانيتنا تجاه هذه المسألة. وحسب علمي فوزارة الداخلية مستندة على المعالجة الحكيمة والإنسانية لأجدادنا، ووعياً منها بما يحدث في قضايا الفتيات المتهمات بالخلوة غير الشرعية، سواء في السجون أو داخل منازلهن؛ أرسلت أكثر من تعميم لمراكز الشرط وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن يتم التعامل مع قضايا الخلوة غير الشرعية بإطلاق الفتاة، وأخذ تعهد على الشاب. ولكن وللأسف الشديد، لا حياة ولا حياء لمن تنادي، حيث تطالعنا جرائدنا المحلية، كل أسبوع بإلقاء القبض على شباب وشابات في خلوات غير شرعية.