د. سعيد بن على العضاضي - القاتصادية السعودية هناك عدد من الجوائز الدولية التي تمنح للنابغين والمبدعين حول العالم بغض النظر عن أديانهم، أو جنسياتهم، أو أعراقهم، أو انتماءاتهم، ومن أشهرها جائزة الملك فيصل العالمية وجائزة نوبل. وتمنح هذه الجوائز وفقا لضوابط وإجراءات وطقوس معينة قد يستثنى منها البعض إلا أنه يظل الجهد والعمل المبدع والقدرات الخارقة هي المحددات الأساسية لمنح هذه الجوائز. وهناك سؤال يجول في ذهني لم أجد له جوابا مقنعاً حتى حينه وهو: لماذا نغضب ونثور ونزمجر عندما يحصل على هذه الجوائز عربي؟ فما أن تظهر أسماء الفائزين بجائزة الملك فيصل أو جائزة نوبل أو غيرهما إلا ويبدأ بعضنا في البحث في سيرة الفائز/الفائزة، نتتبع بكل دقة هفواته وإخفاقاته وعثراته، ثم نضخمها ونخرجها للناس بهدف التشكيك في أحقيته في نيل الجائزة، ولو أدى ذلك إلى التشكيك في الجائزة ذاتها والقائمين عليها، وكل هذا فقط إذا كانت الجائزة ستمنح لعربي. لماذا نقف دائما وقفة الشكاكين القانطين الحاقدين لمجرد أن عربيا استحق تكريما دوليا بذل من أجله أجمل سني عمره؟ فنرمي أحدهم بالعمالة والآخر بالتعاون مع الماسونية والثالث نظنه لم ينل هذا المجد إلا لأنه تنازل عن شيء من كرامته ونال من أمته. ولو كان التشكيك في فرد واحد لهان الأمر علينا، لكن هذا صنيعنا دائما مع كل عربي نال هذا المجد. عندما حصل أحمد زويل على جائزة نوبل عام 1999 حاول الكثيرون من العرب نبش ماضيه والتشكيك في قدراته، ولو أنه لم ينله ما نال مواطنه نجيب محفوظ من القدح والتشهير وتلطيخ السمعة. وعندما فازت قطر باستضافة كأس العالم عام 2022 بدأ الهمز واللمز بأن شيئا ما حصل تحت الطاولة ناهيك عن التهكم على مقدرة هذه الدولة الصغيرة على إنجاز وتنظيم هذا العرس الرياضي الدولي المهيب، الذي كان من المفترض أن يقف الجميع معها ويشدوا من أزرها. وها هي توكل كرمان تعاني الأمرين هذه الأيام من بني جلدتها ومن الناطقين بلغتها، منهم من يشكك في ولائها لعروبتها وأمتها، ومنهم من يرى أن وراء الأكمة ما وراءها، ولم تسلم حتى في حجابها ودينها. ولقد حاولت أن أقف على السبب الجوهري وراء ثورتنا على الفائزين العرب بالجوائز الدولية، لكنني عجزت عن فهم هذه النفسية وظللت أفكر في الأسباب التي تدفعنا إلى الانتقاص من العظماء: هل هذا شعور بالنقص، وأن البعض على يقين أنه لن يظفر بمثل هذا المجد فيرمي الجائزة ومستحقيها بالأكاذيب والافتراءات؟ أم أنها الغيرة التي تشتعل في القلوب فتأكل النفوس؟ فالشعور بالرضا والإحساس بالغبطة هما الأصل عندما يذاع اسم لمواطن عربي على منبر ""نوبل"" حتى لو كان غير مسلم، فالحضارة الإسلامية تحتضن المسلمين وغير المسلمين. فالفائز العربي وإن لم يكن مسلماً ستعود منفعته ومجده ويصب في مصلحة أمته الإسلامية، فهو جزء منها وإن كان يدين بغير الإسلام. أم أن هناك أسبابا أخرى تأتي وراء رفضنا تهنئة المبدعين العرب عند حصولهم على الجوائز الدولية؟ يجب علينا أن نكف عن هذه الحملات التي تعقب فوز أي مرشح عربي بالجوائز الدولية، وألا يعرف عنا أننا أعداء التفوق والإبداع. وعلينا أن نبارك لإخواننا وأخواتنا صنيعهم، ونشاركهم أفراحهم، ونشد على أيديهم، وعيب علينا أن نقف هذا الموقف دائما وننشر هفوات الناجحين في الوقت الذي ندعي فيه أننا مسلمون. ويجب علينا أن ننظر إلى الأمر على أنه فضل من الله اختص به أحد عباده وقد اجتباه كما اجتبى سبحانه رُسله وأولياءه وعباده من قبل. أليس من الممكن أن الله - سبحانه وتعالى - قد اجتبى عبده ""فلان"" أو أمته ""فلانة"" لنيل جائزة كجائزة ""نوبل"" فاستحق أن يعرفه جميع أهل الأرض؟ وماذا يضرنا في ذلك فمن أراد العمل والظفر لنيل هذا المجد فالساحة أمامه والميدان ينتظره، فشروط الجائزة منشورة وآلياتها معروفة، لكن علينا أن نكف عن القذف والتشكيك وتلفيق الأكاذيب، فهذه تؤخذ علينا وتمس هيبتنا أمام الأمم. ويجب علينا قبل القدح في سيرة العرب الحائزين على جائزة نوبل أن نعود إلى أنفسنا ونتعرف على عيوبنا، عندها نعلم أن ما ينقصنا ويعيبنا أكثر بكثير مما ينقص ويعيب هؤلاء، الذين نحاول أن نتهمهم بالمؤامرة والعمالة، فكل هذا هراء وسخف لا يقدم ولا يؤخر، وكل إنسان له نجاحاته وإخفاقاته، فمن هو الكامل من النقصان والخالي من العيوب؟ نبارك لكل عربي مسلم أو غير مسلم رجلا كان أو امرأة حصل على جائزة الملك فيصل العالمية أو جائزة نوبل أو أي جائزة أخرى بهذا الحجم، ونتمنى له من الله التوفيق ونقدم له جميعا اعتذارنا عما فعله السفهاء منا.