جائزة الإبداع العربي من أنشطة مؤسسة الفكر العربي، وقد عُدْتُ قبل يومين الى لندن من اجتماع للجان الجائزة في جدة هو الثالث بعد اجتماعين في الشهرين السابقين في بيروت، بعد عشرات الساعات من الجهد داخل اجتماعات اللجان وفي قراءة المادة المتوافرة عن المرشحين للجوائز. زيارة جدة في موسم الحج تستحق جائزة بدورها بسبب الزحام والقيود الصحية والادارية لضمان سلامة زوار بيت الله الحرام. غير انها لم تكن ضمن أنشطة الجائزة، وإنما درسنا الإبداع المجتمعي والعلمي والتقني والاقتصادي والأدبي والإعلامي والفني. كانت هناك ترشيحات تستحق الجائزة فعلاً، وكانت هناك ترشيحات لا تستحق أن تعرض على أحد، بل تستر لحماية سمعة أصحابها، وأقول هذا مع إدراكي أن هناك مبدعين في كل مجال لا نعرفهم أو لم يتقدم من يرشحهم لجائزة. وفي حين رأى بعض أعضاء لجان الجوائز حجب الجائزة إذا لم ترقَ الأعمال الى المستوى المطلوب، خصوصاً أن جائزة نوبل تحجب أحياناً، وهي تُختار من العالم كله لا من شعب بعينه أو منطقة جغرافية واحدة. غير ان آخرين وقفوا ضد حجب الجوائز. وكان رأي الأمير خالد الفيصل، رئيس المؤسسة، ان تمنح الجوائز في المجالات المختلفة تقديراً للناجحين وتشجيعاً لغيرهم على طلب النجاح، وهو قال إن الإبداع يعني أي عمل أو أي شخص يتجاوز العامية أو الواجب ليرتقي الى التميّز. الإبداع مركب صعب، وكم من مبدع اعتبر في زمانه منشقاً أو زنديقاً أو مجنوناً، قبل أن يُحتَضن ويصبح عمله جزءاً من الإرث الحضاري العالمي. وقد رأينا مثل هذا التحول من الرفض الى القبول في الفلسفة والأدب الكلاسيكي والفن رسماً ورقصاً وموسيقى. إذا كان الإبداع صعباً كما قلت فهو يصبح مستحيلاً لأننا نبحث عنه بين العرب الذين أبدعوا في الفشل حتى بت أخشى أن نكون على أبواب جاهلية ثانية. وأدرك أن من غير المقبول، أو العدل، أن أقارن جيلنا هذا بأجيال سبقته، فأكتفي بجيل واحد، وأقول إنه ليس بيننا اليوم شاعر من مستوى أحمد شوقي أو نزار قباني أو معروف الرصافي، وليس بيننا مغنون من مستوى محمد عبدالوهاب وأم كلثوم (أمدّ الله بعمر فيروز)، وليس بيننا مفكرون من مستوى طه حسين أو عباس محمود العقاد، وليس بيننا مؤرخون بقدرة فيليب حتي، وليس بيننا روائيون بمستوى نجيب محفوظ، وليس وليس وليس... ربما كنت أقسو، وربما كان السبب أن آمالي لهذه الأمة بحجم قدراتها الكامنة لا بحجم انتاجها القاصر. وبالنسبة الى جائزة الإبداع العربي فكل فائز أو فائزة يستحق الفوز قطعاً أو كانت الجائزة حجبت. بل اننا في بعض الحالات وجدنا في الموضوع نفسه أكثر من واحد يستحق الجائزة وكان علينا أن نختار، حتى ونحن نظلم بعض الخاسرين، فهو كان سيفوز حتماً لو تقدم بعمله قبل سنة، أو تأخر سنة عن الفائز النهائي، وإنما شاء حظه ان ينافس مرشحاً تفوق عليه بنقاط قليلة. رغم كل ما سبق تظل الأمة مقصرة عن قدراتها والمطلوب منها، ولو إننا في مؤسسة الفكر العربي اخترنا المركب السهل لاخترنا توزيع جوائز في الفشل، فكل ما نحتاجه هو أن نفتح دليل التلفون ونختار اسماً، أي اسم، وسيكون فاشلاً بامتياز في ميدان تخصصه. شخصياً، ركزت على جائزتي الإبداع المجتمعي والإعلامي، وقسمت في ذهني الأعمال المقدمة الى قسمين، أهل البيت، أو التي تستحق أن تقدم، وكفّار قريش، أي تلك التي ما كان يجوز أن تقدم ونضيع وقتنا في قراءتها ورفضها. وكما يعلم كل قارئ فكفّار قريش كانوا أكثر عدداً بكثير من أهل البيت، إلا أن الله نصر دينه وأمته في النهاية، ولعله ينصرهم مرة أخرى في جيلنا فنحن لا نعرف سوى طعم الهزيمة منذ ذلك النصر القديم. أخيراً، نعرف أن الفعل المجرد الثلاثي بَدَعَ هو الذي أعطانا الإبداع، إلا أنه أيضاً وراء بدعة، وقد قرأنا «كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار». وابن الأثير يقول البدعة بدعتان، بدعة هدى وبدعة ضلالة، وتأويله ان كل ما خالف الشريعة بدعة. نحن في مؤسسة الفكر العربي مع البديع المبدع، أو المحدث العجيب، وأصحابه من هذه الأمة. [email protected]