أسفي شديد على أحداث عناصر الشغب في قرية العوامية، وهم من أبناء الوطن، ضلِّلت أفكارهم من الخارج وانعكست على تصرفاتهم، اعتقاداً منهم بأن ذلك سيسهم في إشعال حالة الفوضى في البلاد هناك ثوابت أساسية تقوم على أساسها الأوطان، وأهم هذه الثوابت أمنه واستقراره، وضمان أمنه لا يعني ضمان أمن قيادته فقط، وإنما القيادة هي جزء من هذا الشعب، فأمن الوطن هو أمن شعبه وقيادته. وقد يغيب عن ذهن بعض فئات الشعب ومن ضمنهم رجال الأعمال حقيقة أن أمن واستقرار الوطن هو أمن واستقرار اقتصاده، وعليه فإن جميع أبناء الوطن والمقيمين فيه يحرصون كل الحرص على استقراره وأمنه، ويخطئ من يعتقد بأن إثارة الفوضى والقلاقل قد تحقق الأهداف التي يسعون لها، فالوطن للجميع، وكل فرد في هذا الوطن له حقوقه وعليه واجباته، وكل فئة مع اختلاف المذهب والقبيلة والعرق والمناطق والمدن والقرى جميعهم مواطنون، ولا فرق في المواطنة بين سني وشيعي وحجازي ونجدي وجنوبي وشمالي وشرقي، فكل من انتمى لهذا الوطن بالجنسية والتجنس فهو جزء منه، وولاؤه لوطنه مهما كانت الظروف وفي كل المواقف الصعبة. فنحن في وطن كان مبعثر الانتماء، مختلف الأعراق، متضارب الفكر، متصارعا في الحدود، اقتصاده منهار في أجزائه ومعدوم في الأخرى، وبسيط في بعضها الآخر، فيه تنعدم الخطط التنموية والشمولية، وكل جزء منه يهتم بنفسه دون الآخر. هذه حقيقة الماضي في هذا الوطن، والتي يجهلها البعض ويتجاهلها البعض الآخر، ويرى البعض في بعض المناطق أن التنمية الشاملة لم تصله، وأن العدالة في التوزيع التنموي في مناطقهم معدومة، والفرص الوظيفية والتعليمية لأبنائهم غير موجودة أو غير عادلة، وأن هناك مناطق يتعمد المخططون والمنفذون تجاهلها وعدم الاهتمام بمطالبها، وهو شعور نسبي لدى أبناء هذه الفئات أو المناطق. إلا أنني أؤكد بأن مبدأ تفضيل مواطنين دون الآخرين لا يوجد في سياسة المملكة، وإنما أولويات المشاريع وأهميتها قد تكون هي السبب في تأخر وصول التنمية من منطقة إلى أخرى، أما حرمان أبناء الوطن من حقوقهم فليس حقيقة مستهدفة. إن ما يدفعني لكتابة هذه المقدمة اليوم هو أسفي الشديد على أحداث عناصر الشغب في قرية العوامية إحدى قرى أطراف القطيف، وهم من أبناء هذا الوطن، ضللت أفكارهم من الخارج وانعكست على تصرفاتهم، اعتقاداً منهم بأن هذه السلوكيات ستسهم في إشعال حالة الفوضى في البلاد. والحقيقة أن معرفتي بأبناء القطيف مثقفين وأكاديميين وعلماء أو مفكرين من المذهب الشيعي تؤكد بأنهم مواطنون مخلصون أوفياء لوطنهم وقيادتهم، لهم مثل أبناء أي منطقة في المملكة تطلعات وآمال كبيرة لتطوير منطقتهم، وإتاحة الفرصة لأبنائهم للتعلم والعمل الوظيفي، وهو حق لا يستطيع أحد أن يمنعهم منه كمواطنين، ومن يمنع هذا الحق فهو عرضة للمساءلة الوطنية. ولقد أتيحت لي الفرصة لأن أشارك في أحد اللقاءات الفكرية في القطيف عندما كنت عضوا في مجلس الشورى في الدورة السابقة بدعوة من زميلي الأستاذ محمد رضا نصر الله عضو مجلس الشورى في منتدى الشيخ حسن الصفار، أحد عقلاء القطيف، صاحب فكر متميز يتقبل الطرح ويؤمن بوحدة الوطن والقيادة، ويتقبل الطرف الآخر. شاركت بطرح ينادي بأن يكون أساس الحوار وحدة الوطن وقيادته، فوجدت الجميع يؤمنون بهذا ويلتزمون به، وطالبت أبناء القطيف بالخروج من منطقتهم إلى جميع مناطق المملكة للدراسة والعمل، فهم مرحب بهم مواطنين مخلصين لوطنهم، وهي حقيقة نجح في تطبيقها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وأبناؤه الملوك من بعده، حيث خلطوا المجتمع السعودي بتوزيع أبنائه المتعلمين والمثقفين والمتخصصين على الوظائف الحكومية في مختلف مناطق المملكة، وعاش أبناء المناطق في مناطق غير مناطقهم، واستقروا بها وتزاوجوا وتراحموا وبنوا أقوى الصداقات في هذه المناطق، ولم يرجع العديد منهم إلى مناطقهم الأصلية بل ماتوا ودفنوا بعيداً عنها. فكل منطقة في الوطن هي وطن للجميع. فمنطقة الرياض على سبيل المثال لم تعد لسكان الرياض فقط، بل أصبحت العاصمة للجميع، ومعظم سكانها من جميع أنحاء المملكة. انتهى اللقاء في القطيف وكنت سعيداً جداً بالآراء والأفكار والطروحات التي تمت مناقشتها، وأيقنت أن الحقوق ينبغي أن تُضمن لجميع أبناء الوطن مهما اختلفت مذاهبهم ومناطقهم، وأن التنمية ينبغي أن تشمل جميع أبناء ومناطق المملكة، وأن التعليم حق لكل مواطن بجميع أنواعه ودرجاته، وأن الوظائف ينبغي ألا تكون حكراً على أبناء منطقة دون أخرى، وأن الوطن للجميع، ولن نقبل لأي فئة أن تلعب بأمن الوطن، ولن تكون الأجهزة الحكومية الأمنية في المملكة هي الوحيدة التي تقف أمام عناصر الشغب، بل جميع أبناء الوطن ضد كل من تسول له نفسه زعزعة أمنه واستقراره. إن إثارة الفوضى في البلد ستكون آثارها سلبية على الجميع، وعلى وجه الخصوص على اقتصاد بلادنا. إن بناء الأوطان ليس بالسهل، فدعونا نسهم جميعاً في بناء وطننا، وعلينا أن نجلس على طاولة حوار وطني للنقاش، ولا ضير في مراجعة خططنا وسياساتنا بما يتواءم مع احتياجات أبناء وطننا الغالي. وهي دعوة للعقلاء من أشقائنا أبناء القطيف والعوامية للحوار الأهلي الذي يرسخ مبادئ يلتزم بها عامة الناس، وأهم هذه المبادئ ترسيخ مبدأ المواطنة والانتماء للوطن أولاً وأخيراً، وسد كل الأبواب التي يدخل منها الفكر المضلل من خارج وطننا. إن الولاء للوطن من أهم عناصر الوحدة في بلادنا، والولاء للقيادة من أهم الأوامر الإلهية، إذا قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) النساء (59). كما أن الخطاب القرآني جاء واضحاً وقاطعاً ومؤكداً للوحدة البشرية، إذ قال سبحانه وتعالى: (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات (10). ولم يخص القرآن الكريم فئة، وإنما المؤمنون كافة، وقصد كل مؤمن بالله، لأن الأخوة معنى مترتب على الإيمان. إن الظروف الساخنة من حولنا سياسياً واقتصادياً إقليميا ودولياً تدفعنا نحن أبناء هذا الوطن إلى مزيد من الوحدة والتآخي، ونبذ الخلاف السياسي والاجتماعي والمذهبي. ودعونا نعمل معا خلف قيادتنا لتحقيق طموحاتنا المستقبلية. فاختلافنا بالعنف لن يحقق سوى تمزق وحدتنا.