من المواقف التي تجلت فيها الخشية من العقل في المجال الإسلامي المعاصر، موقف الشيخ عبدالحليم محمود في كتابه (الإسلام والعقل)، الكتاب الذي فرح مؤلفه بصدوره، وأنه حسب قوله لم يفرح في يوم الأيام بظهور كتاب له بمقدار فرحته بظهور هذا الكتاب، واعتبر أنه يعبر عن منهجه الخاص في حياته الفكرية، المنهج الذي يصفه بمنهج الاتباع. في هذا الكتاب وضع الشيخ عبدالحليم محمود العقل في دائرة الشك والاتهام، وظل يخطئه، ويصوب عليه سهام النقد، وكأنه بمثابة خطر ينبغي وقاية الدين منه، وحمايته من شره وبلائه، وتحصينه من سيئاته وآفاته، وبقي المؤلف على هذا الموقف متمسكا به من أول الكتاب إلى نهايته. وفي هذا النطاق أظهر المؤلف انحيازا نفسيا وفكريا واضحا للغزالي الذي ظل يسانده ويبجله، ولا يذكر اسمه إلا ويسبقه بوصف الإمام، في مقابل ابن رشد الذي ظل يخطئه ولا يبجله، وجرده عن أية صفة حين يذكر اسمه، فذاك الإمام وهذا ابن رشد. ومن أشد المواقف حدة وغرابة، اعتبار الشيخ عبدالحليم محمود طائفة الفلاسفة العقليين الإلهيين أنهم خلفاء إبليس، لأن الفلسفة العقلية في نظره ليست إلا محاولة تحكيم العقل فيما أتى به الوحي، وهذه الفلسفة عنده هي من غير ما ريب تريد أن تخترع عقليا، ما فرغ منه الوحي في قضاياه ومبادئه، إنها تريد ابتداع دين عقلي بجوار الدين الإلهي. هذا الموقف الشكاك من العقل، يبدو أنه أثار غضب الكاتب البحريني الدكتور محمد جابر الأنصاري الذي شن هجوما لاذعا على الشيخ عبدالحليم محمود وموقفه تجاه العقل، هجوما اختلط فيه الثقافي بالسياسي، إذ اعتبر الدكتور الأنصاري في كتابه (مساءلة الهزيمة)، أن من المدهش هذا العداء الصريح للعقل الإسلامي الذي حسب قوله: لم يبرز بمثل هذا الوضوح إلا في زمن التصالح مع إسرائيل أيام كامب ديفيد، ويبدو أنها ليست صدفة أن يتولى مشيخة الأزهر في ذلك الحين رجل كالشيخ عبد الحليم محمود، ولعله من مقتضيات عقد الصلح مع إسرائيل إعلان الحرب ضد العقل في الإسلام، وتكريس القطيعة مع العقل الإسلامي ذاته، وليس مع العقل المادي أو العلماني الذي يمكن سحب جواز مروره من الضمير الإسلامي بسهولة، ولكن المطلوب تحطيم العقل الإسلامي ذاته كرافعة للتقدم الحقيقي، وبلوغ القوة الحضارية في العالم الإسلامي، تلك هي المسألة.