المراقب لمتغيرات السلوك الجماهيري تجاه الخدمات أو المنتجات أو الموضوعات التي تمس متطلبات الحياة اليومية، يلمس تغييرا في أنماط التفكير وكذلك في نوعية السلوكيات المستجدة، وذلك بسبب اختلاف الأجيال وازدياد الضخ المعرفي بمعناه الشامل، وكذلك تداعيات العولمة الإعلامية وذراعها الرئيس شبكة الإنترنت، فأصبح الإنسان جزءا من المتغيرات الحادثة في القرية الكونية، يؤثر بها ويتأثر فيها، ما يستدعي إدراكا رفيعا لحجم ومستوى المتغيرات الذهنية الحادثة في المجتمع، إن على المستوى المحلي أو الإقليمي ودرجة انعكاس ذلك على السلوك الجماهيري، لجهة الطموحات الخدمية أو الاحتياجات الإنسانية، فالإنسان بذهنيته وسلوكه ظاهرة متغيره، غير ثابتة يمر بتبدلات ومتغيرات نفسية واجتماعية وفكرية. فألراي العام الراهن؛ أكثر وعيا وأرفع تفكيرا لجهة احتياجاته، من الرأي العام في الحقب الماضية لأسباب معرفية وتقنية ومجتمعية. وفن إدارة الرأي العام، يتطلب أولا معرفة واقع طبيعة المجتمع على الأرض وتفريعاته، وفق محركاته التقليدية والحديثة، وتقسيم الرأي العام (الفرعي) وفق المعطيات الاجتماعية، فموقف مناطق أو قطاعات أو شرائح من المجتمع، تجاه قضية أو موقف يختلف عن الآخر، وصولا إلى الرأي العام الكلي للمجتمع وتقديره والتعامل معه، بعيدا عن ثنائيات الاصطفاف الفكري، لجهة تقديم المحور الخدمي الذي يهم المواطن بعيدا عن ترف السجالات الفكرية. ففي أدبيات علم السياسية والاتصال، يتطلب الذكاء السياسي والحس الإعلامي الرفيعين متابعة الرأي العام الكامن لدى كافة شرائح المجتمع وقطاعاته المتباينة على أسس علمية والتنبؤ بسلوكيات الجمهور المختلفة والحراك الاجتماعي واتجاهاته نحو القضايا التي تتقاطع مع حياة المواطن وتشكل له هاجسا حيويا، كما يستدعي فن إدارة الرأي العام الحديث تأسيس خطاب واع ومعاصر قادر على مخاطبة الرأي العام الفتي والتفاعل معه بمحركات جديدة قادرة على النفاذ الاجتماعي وفق عمل مؤسساتي، بعيدا عن الاجتهادات الفردية وثقافة التهميش أو الإهمال، التي أصابت بعض مكونات الحياة الإدارية. إذ لاقيمة للدراسات أو مراكز الأبحاث أو علم إدارة الحشود، إذا لم نبادر إلى تشخيص الواقع الاجتماعي عبر نوافذ متعددة وإطلالات مختلفة لكافة قطاعات المجتمع والوقوف على الآليات الحديثة التي تسيدت تشكيل الرأي العام الحديث والتأثير فيها إيجابا والتفاعل معها بشكل واع، بعيدا عن الأحكام المعلبة والانطباعات التقليدية.