الهند بلد يحكمه نظام برلماني ديموقراطي ودستور بمقاسات ويستمنستر، ورغم تعداده السكاني الهائل والمشكلات المختلفة التي تضغط على بعض طبقات المجتمع إلا أنه في السنوات الأخيرة استطاع القفز باقتصاده إلى المرتبة 12 بين أكبر اقتصادات العالم ومازال من أفضلها نموا، وقفز مؤشر التنمية البشرية بشكل تصاعدي كبير، وأصبحت فرص العمل والإنتاج أفضل كثيرا لتكون الهند بذلك قوة عالمية مؤثرة اقتصاديا وسياسيا، إلا أن كل هذا لم يكن كافيا ومقنعا لمواطن هندي اسمه «أنا هازاري». أنا هازاري عجوز هندي عمره 74 عاما، لم يستسلم لشيخوخته بقضاء القليل مما تبقى من حياته في دعة وسكون داخل منزله، أو يقرر أنه قد عمل بما فيه الكفاية ولم يعد لديه ما يقدمه لمجتمعه، لم يهزمه المرض أو هاجس الموت، بل قرر أنه قادر على العطاء المؤثر حتى آخر لحظة من عمره. السيد هازاري يرى أن الفساد منتشر في وطنه، وأن أساليب مكافحته ليست كافية، لذا قرر أن يكون ناشطا في مناهضة الفساد ويتقدم إلى البرلمان الهندي بطلب لتشديد قانون مكافحة الفساد من خلال إجراءات يرى ضرورة تطبيقها، وحين لم يتفاعل البرلمان مع مطالبه قرر الاحتجاج في إحدى مناطق نيودلهي بالإضراب عن الطعام. تناقلت وسائل الإعلام قضيته والتف حوله جمع كبير من المتضامنين لتصبح قضية رأي عام ضغطت بشدة على البرلمان الذي لم يجد أمامه غير الرضوخ لمطالب السيد هازاري بعد 13 يوما من إضرابه المتواصل، الذي حظي بعده بلقب «غاندي الثاني». لقد طلب هازاري إنشاء هيئة لمكافحة الفساد في كل ولاية (تتكون الهند من 35 ولاية)، وإصدار ميثاق مواطنة لكل إدارة حكومية، والمطالبة بأن يخضع جميع المسؤولين الحكوميين بمن فيهم رئيس الوزراء لمراقبة الهيئة. البرلمان الهندي لم يقل له «حاضر، ما يصير خاطرك إلا طيب» بل قام باتخاذ ما يجب لوضع مطالبه في صيغة تشريعية. عبر كثيرة يمكن استخلاصها من قصة هازاري، ولكن بما أننا أصبحنا نتحدث عن الفساد بصوت عال باعتباره وحشا ضاريا ينهشنا بقسوة، وبما أن مكافحته أصبحت مشروعا استراتيجيا للدولة، فإننا نتساءل عما يمكن أن تنجزه هيئة مكافحة الفساد الناشئة، وهل ستكون قادرة على فعل شيء أم ستنضم إلى بقية المنظومة الرقابية التي تشتكي من عجزها وقلة حيلتها؟.. باختصار، هل نعول على هذه المنظومة؟؟.