يثور الجدل حول المسلسل الرمضاني ""طاش .. ما طاش"" في كل عام، وتوجه الاتهامات صغيرة وكبيرة لبعض حلقاته أو لرموزه المبدعة مهما اختلفنا معها في الرأي. وتنطلق معظم الانتقادات من شعور البعض أنه يشوه المجتمع أو بعض فئاته ويعطي انطباعا سيئا عن المجتمع السعودي لدى الآخرين. وبالفعل، قد تحتوي بعض الحلقات على نقد لاذع لفئات معينة أو مبالغة وتضخيم لبعض السلوكيات الاجتماعية أو إثارة لقضايا ليست كبيرة لدرجة تستحق الاستنفار. لكن ينسى الكثيرون أن هذا المسلسل الرمضاني ليس وثائقيا، ولا يهدف إلى أن يكون فيلما وثائقيا عن المجتمع، ولو أنه - بكل تأكيد - يعكس بعض الجوانب الاجتماعية فيه ويعطي صورة سلبية أحيانا وإيجابية أحيانا أخرى. لكن عنصر التشويق وروح المفاجأة والخروج عن المألوف وتحدي بعض العادات وإحراج المشاهد بدرجة معقولة، كلها أمور مهمة لبرنامج كهذا، كي يكون جذابا ومؤثرا، بل مفيدا في الوقت نفسه. لن يكون مفيدا إذا اقتصر على المألوف، ولن يكون مثيرا ومؤثرا إذا التزم بالاتجاه العام الذي يرضي معظم أفراد المجتمع، ولن يكون جذابا إذا لم يبالغ بعض الشيء! ولا بد من وجود بعض ""المشاكسة"" والتحدي لبعض العادات والتقاليد لدرجة الإحراج أحيانا، كي يكون مؤثرا وفاعلا من منطلق المقولة المعروفة ""الحقيقة مرة""، لكن لا ينبغي - أبدا - أن تمس المبادئ الدينية أو الحقوق الشخصية لأي شخص أو فئة اجتماعية أو دينية. ومع أنني لا أتفق مع كل ما يطرح في حلقات ""طاش .. ما طاش""، وأشعر أنه يبالغ أحيانا في إبراز بعض القضايا أو السلوكيات، إلا أنني أعتقد أنه يواجه حساسية مفرطة ويُنظر إليه نظرة ضيقة، ترفض الاختلاف في وجهات النظر، وتنادي بالنظر إلى الأمور من زاوية واحدة. أقول ذلك من منطلق أن طرح فكرة معينة وإتاحتها للمناقشة هو سبيل لبيان عيوبها وتأكيد بطلانها وعدم صلاحيتها للمجتمع من جهة، أو إثبات جدارتها وصلاحيتها وأهميتها للبقاء والاستمرار من جهة أخرى. لكن لا ينبغي أن نبادر بمهاجمة كل من يطرح فكرة جديدة أو أن نمس حياته الشخصية بسوء، إنما نتحاور حول الفكرة ذاتها، ونؤكد معارضتنا لها من خلال توضيح الأدلة والبراهين أو نثبت بطلانها بناء على أدلة مقنعة. هذا الأسلوب سيسهم في إقناع الطرف الآخر وسيصحح الخلل وسيساعد على التلاقي على أرض مشتركة. من الموضوعية الاعتراف بأن هذا المسلسل أثبت شعبيته على الرغم من تدني مستوى بعض الحلقات وعدم إسهامها في الرقي بذائقة المشاهدين، لكنه صمد لعقدين من الزمن على العكس من المسلسلات الرمضانية الأخرى التي لم تستطع الاستمرار أكثر من موسم واحد، ولم تحظ باهتمام واسع سواء من المشاهدين أو المحطات الفضائية. هذا في حد ذاته يُعد مؤشرا لنجاح هذا المسلسل وجاذبيته ورغبة الناس في متابعته من جهة، أو دلالة على ندرة الأعمال الفنية الراقية وانحطاط مستويات معظم ما يعرض على الشاشات من جهة أخرى. ولا يمكن إنكار قدرته على إثارة تساؤلات حول قضايا مهمة، وإثارة السؤال - كما يقولون - هو بداية البحث عن حلول للمشكلة. أستغرب كثيراً أن هذا المسلسل لم يتعرض للدراسة العلمية الجادة من قبل جهات علمية كالجامعات أو من قبل طلاب الدراسات العليا في رسائلهم العلمية، لتقييم موضوعيته في الطرح وحجم تأثيره - سلبا أو إيجابا – في المجتمع أو في بعض فئاته. لا أعتقد أن التكهنات والمناقشات العاطفية التي لا تقوم على أساس علمي كافية للهجوم الشرس عليه أو التأييد المطلق لما يطرح فيه من أفكار ورؤى حول القضايا والمشكلات في المجتمع السعودي. وفي الوقت نفسه، ليس عيبا أن نتحمل النقد ونسمح بطرح الأفكار ونشجع على نقدها بموضوعية دون السعي لقولبة التفكير ومهاجمة الأفكار الجديدة. وكما يقال: ""من حق النقاد والمشاهدين أن يقولوا ما يشاءون"". وكل عام والجميع بخير.