** كلما قرأت عن إنجاز علمي جديد حققه أحد أبناء المملكة في الخارج؛ أشعر بزهو كبير، وبألم وفير في آن واحد.. ** فأما الزهو.. فلأن بلادي تقدم لهذا العالم عقولاً هي محل اعتزاز كل مواطن فينا بمن يساهمون باكتشافاتهم واختراعاتهم العلمية في صنع الخير والتقدم للإنسانية.. ** وأما الألم.. فلأن هؤلاء النوابغ من الشباب المتخصص في مجالات مختلفة كالطب، والهندسة، والطاقة، والعلوم المختلفة، يظهرون في الخارج ويبرزون هناك أكثر بكثير مما نسمع عن أمثالهم من المتميزين في الداخل.. وكأن هناك من يكره ظهورهم، وكأن هناك من يعمل على قتل مواهبهم وإبداعاتهم، وكأن هناك من يحارب تقدمهم العلمي لأسباب قد تكون معروفة لأي عاقل فينا.. وقد تكون بسبب غياب عوامل التحفيز ودعم وتشجيع المبادرات.. وقد تكون لأسباب نفسية أخرى تخص من يشرفون عليهم ويخافون على كراسيهم من هؤلاء العلماء الأفذاذ رغم أنوفهم. ** وآخر خبر قرأته في هذه الصحيفة في عددها الصادر يوم الثلاثاء الموافق 23/9/1432ه هو عن الدكتور والكاتب في الرياض (صفوق الشمري).. جراح القلب السعودي وأحد الباحثين في مجال الخلايا الجذعية العاملين في قسم القلب بجامعة أوساكا اليابانية.. بمناسبة تلقي القسم المذكور دعماً جديداً من الحكومة اليابانية يزيد على (37) مليون دولار لدعم أبحاثهم في مجال القلب والخلايا الجذعية في أعقاب نجاح القسم.. بالرغم من أن هذا الدعم يقدم لهذا النوع من الأبحاث المهمة بعد تعرض اليابان لأزمة اقتصادية حادة في أعقاب "تسونامي" الصعب. ** ولولا إنجاز هذا الشاب السعودي المتألق بمساعدة زملائه من الفريق الطبي الياباني الذين أحاطوا به في الصورة المرافقة لهذا الخبر.. لولا ذلك لما وجدوا هذا الدعم وهذا التشجيع لكفاءتهم التي مكنتهم من هذا الاكتشاف ومازالوا يواصلون عملهم هناك بكل اعتزاز بهذا الوطن، وبأبناء ها الوطن. ** وما أريد أن أقوله هو: ان تزايد عدد المتميزين من أبنائنا ولاسيما في مجالات الطب والأبحاث العلمية المتقدمة في الخارج وندرة الحديث عن المزيد منهم في الداخل قد يعكس واقع ثقافة نخشى من استمرارها.. وتكون سبباً في إحباط الكثيرين منهم.. وتفضيلهم العودة ثانية إلى الدول التي تعلموا فيها.. أو التي برزوا في مؤسساتها الطبية والعلمية ووجدوا التقدير كل التقدير منها، وحرموا منه هنا في بلادنا. ** وإذا نحن لم نستدرك هذا الوضع، وننظمه، ونوفر الحماية للعقول المتميزة من إجهاض عطاءاتها العلمية الرفيعة فإننا قد نفقد العشرات منهم.. وقد نجد بلدان المهجر مفتوحة الصدور والقلوب والعقول أمامهم لتمنحهم من الفرص ما هم جديرون بها.. ويجدون هم أنفسهم في تلك البلدان بعد أن واجهوا الكثير من الحروب، والعقبات، وحتى القمع في بعض الأحيان.. وتلك مسألة خطيرة، وغير مقبولة على الإطلاق. ** فلعلنا نفكر في إصدار نظام يحمي ويشجع ويدعم وينمي روح المبادرة، والتميز، والتألق، والاختراع، والاكتشاف ويعلي شأن أصحابها، ويضعهم في المكان الذي يستحقونه.. وإلا فإن بلداً كاليابان أو كندا أو أمريكا لديها آلاف الموهوبين والمخترعين والمبتكرين.. ومع ذلك فإنها لا تتحرج في أن تحتفي بالعقول القادمة إليها من الدول الأخرى.. ومنها هذا النوع المتميز من الشباب الذي شرفنا كثيراً ورفع رؤوسنا عالياً وأسعدنا كدولة وكشعب.. وإن وجدوا الكثير من الدعم من الملك ولم يجدوه منا، وتحديداً من المجتمع أو من القطاع الخاص أو من الأجهزة الحكومية التي التحقوا بها وعملوا فيها بعد تخرجهم من الجامعات الخارجية.. ولم نعد نسمع عنهم، ولا عن أبحاثهم.. للأسباب السالف ذكرها.. ** فهل نتحرك بسرعة.. قبل أن نفقد عقولنا؟ *** ضمير مستتر [** هناك من يعلون شأن عظمائهم وعلمائهم.. وهناك من يقتلونهم.. وتلك هي المأساة]