مسلسل «الحسن والحسين ومعاوية»، الذي أعلن عدد من القنوات عن عرضه خلال شهر رمضان، حظي بضجة إعلامية غير مسبوقة، ومطالبات متعددة بمقاطعته، ومنع عرضه، فضلاً عن أن المسلسل عاد وطرح الجدل التقليدي حول تجسيد شخصيات الصحابة، وعلاقة الشريعة الإسلامية بفن الدراما. المعترضون يرون أن المسلسل الذي يتناول مرحلة «الفتنة الكبرى» سيساهم في إثارة نزاع بين المسلمين، ويهدد منزلة الصحابة في قلوب العامة، ويكرس الشجار المذهبي بين السنّة والشيعة، على نحو يصعب التهكن بتأثيراته الدينية والسياسية، ويستندون الى فتاوى قديمة تحرّم ظهور صور الصحابة، مثل فتاوى الراحل الشيخ جاد الحق، وهيئة كبار العلماء في السعودية، ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر وغيرها، فضلاً عن أن المسلسل حظي بتشكيك من علماء سنّة وشيعة. المؤيدون يستندون الى فتاوى صادرة عن عدد من العلماء وأساتذة الشريعة الإسلامية في غير بلد عربي، ويرون أن رفض تجسيد الصحابة نابع أصلاً من موقف بعض العلماء من الفن، وهو موقف لم ولن يمنع إيران من معاودة كتابة التاريخ الإسلامي من خلال رؤية سياسية خاصة، ولهذا فإن الرفض ليس في مصلحة تاريخ الحضارة العربية الإسلامية. بصرف النظر عن صحة أو وجاهة رأي الطرفين، فإن المهم هنا هو أن المنع لم يعد متاحاً. في الماضي كانت محطات التلفزيون تقع ضمن ملكية الدول، التي تُلزم أهل الدراما بضرورة الحصول على موافقة علماء الدين قبل إنتاج أي عمل درامي يتعرض للدين، لكن هذا الشرط صار من الماضي، فالحكومات أصبحت لاعباً هامشياً في صناعة التلفزيون والدراما، إضافة الى أن «الإنترنت» دخلت على الخط وجعلت المنع ضرباً من المستحيل. لا شك في أن رفض تجسيد شخصيات الصحابة في الدراما بات موقفاً عاطفياً غير قابل للتنفيذ. والحكمة تقتضي من العلماء الذين يرفضون مبدأ تجسيد صور الصحابة معاودة النظر في موقفهم، وفتح حوار مع أهل الدراما والدخول الى مضمون هذه المسلسلات، ومحاولة حماية تاريخ الصحابة من الأهواء السياسية والشخصية، فاستمرار تمسكهم بالرفض لن يعفيهم من مسؤولية تشويه محتمل لهذا التاريخ.